د. سامر ماهر عبدالله_ ليبانون تايمز
يعتبر العدوان الإسرائيلي الراهن على قطاع غزة مختلفا في ظروفه وأسبابه عن كافة الحروب السابقة على هذا القطاع الصامد .
وإن توقيت هذا العدوان هو عامل أساسي في إستخلاص أهدافه كونه يتزامن مع عدة إستحقاقات :
1- رهان الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس بايدن على خيار المفاوضات مع إيران ، مع إستبعاد شبه كامل للخيار العسكري . وهذا أكثر ما يزعج إسرائيل التي بنت سياساتها لسنوات على خيار التصعيد الأميركي ضد إيران .
2- الإيجابية التي ترافق مفاوضات فيينا ، سيما وأنه إتضح أن العامل الذي أخّر إعلان الإتفاق لا يرتبط بإيران أو بالولايات المتحدة ، وإنما يرتبط بمجموعة الوقائع والأحداث والتطورات التي تلت فسخ واشنطن بقيادة الرئيس السابق ترامب للإتفاق النووي من جانب واحد مع إيران .
ذلك أن عوامل عدة سادت بعد فسخ الإتفاق النووي تمثلت في ذهاب طهران بعيدا في خياراتها الإستراتيجية نحو الصين ، إضافة إلى كون روسيا قد لعبت دورا متوازنا أدارت من خلاله المرحلة السابقة فعززت وجودها في المنطقة سواء على الصعيد العسكري أوالجيوسياسي في سوريا ، أم على الصعيد السياسي من خلال تطوير العلاقات مع تركيا .
وإذا كانت طهران لا تريد الذهاب نحو إتفاق نووي جديد مع واشنطن دون أن تراعي ما راكمته مع الصين وروسيا في مرحلة ما بعد فسخ الإتفاق النووي . إلا أن عناوين الإتفاق قد أنجزت ، وأن المسائل التي تعرقل الإتفاق أصبحت ثانوية أمام حتمية إنجازه .
وبالنسبة لواشنطن ، فإنها أمنت حوار سعودي – إيراني وسوري – سعودي ، من أجل إشراك المملكة العربية السعودية في مرحلة ما بعد الإتفاق مع إيران كتعويض لعدم إشراك المملكة في مفاعيل الإتفاق النووي السابق الذي أسس له الرئيس الأميركي السابق أوباما مع إيران .
3- إتضح لإسرائيل أنها لن تستطيع أن تحصد على الساحة الفلسطينية أية مفاعيل لعمليات التطبيع مع بعض دول الخليج . فالكويت رفضت التطبيع ، والسعودية تربطه بحل يرضي الفلسطينيين ، والسلطة الفلسطينية ترفض التوقيع على التنازل عن القدس وأجزاء من الضفة ، والمقاومة في غزة بما تملك من صواريخ بعيدة المدى نسفت العقيدة العسكرية الإسرائيلية للألفية الجديدة ، والتي تأسست على جدار الفصل العنصري لصد تسلل المقاومين ، وعبر القبة الحديدية التي ثبت فشلها في إعتراض صواريخ المقاومة .
4- تفاجأت إسرائيل بالموقف الأردني ليس فقط عبر تأييد عمان السياسي للمقدسيين في ثورتهم ضد الإحتلال وضد التهويد ، بل وأيضا في تشجيعهم على هذه الثورة العادلة . واتضح أن نتنياهو قد إستفز المملكة في أكثر من موقف ، وحاول أن يتدخل في الشأن الأردني الداخلي ، ويحاول التملص من الإتفاق مع المملكة الأردنية حول دورها المميز في إدارة المقدسات الإسلامية في القدس .
5- إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية السورية ، مع عدم وجود أي إعتراض عربي أو غربي حول ترشح الرئيس الأسد لهذه الإنتخابات ، مما يعني أن إسرائيل قد خسرت نهائيا دورها في الحرب على سوريا ، وأن عليها أن تستعد لتوازن إستراتيجي جديد مع دمشق التي خرجت منتصرة ، وأصبحت تملك جيشا يحترف حرب العصابات ، وأنها أصبحت قادرة -سياسيا – وعسكريا على تهديد مفاعيل ديمونا دون أن يكترس أحد في العالم لإسرائيل .
وما ينتظر إسرائيل لاحقا هو إجبارها على الإنسحاب من الجولان السوري المحتل دون قيد أو شرط .
6- إسرائيل تخشى حجم الإتفاق الأميركي مع إيران ، سيما وأن بعض التسريبات تدل على أن الإتفاق أنجز وأن المتبقي هو الإعلان عنه فقط . ويبدو أن أمام واشنطن إستحقاقات عدة تبدو أهم من أمن إسرائيل . فهي تريد إنسحابا آمنا من أفغانستان ، وأن لروسيا ولإيران دور أساسي مساعد هناك ، وذلك لن يأتي دون اثمان . ومن الممكن القول أن هناك تراجع أميركي ملحوظ حول مطالبة إيران بالإنسحاب العسكري من سوريا ، وهذا الأمر يقلق تل أبيب كثيرا .
7- الأزمة الإسرائيلية الداخلية تعتبر سببا إضافيا للمغامرة بالعدوان على غزة ، فالكيان الصهيوني لم يعد قادرا على إنتاج حكومة بسهولة ، وأن مستقبل نتنياهو أصبح على المحك وهو قد يسجن لاحقا بتهم فساد .
8- لم تعد إسرائيل قادرة على تنفيس مشاكلها الداخلية من خلال الهجمات العسكرية إن على لبنان أم على غزة . ذلك أن توازن الردع الذي رسخته المعادلة اللبنانية جيش – شعب – مقاومة لا يمكن تجاوزه ، كما أن المقاومة في غزة جعلت من حماس صاحبة الرصيد الأقوى على الساحة السياسية الفلسطينية ، وهذا ما دفع إسرائيل للعمل على تعطيل الإنتخابات التشريعية الفلسطينية عبر منع إجرائها في القدس خوفا من نجاح المقاومة .
9- إن غزة ليست متروكة ، فهي ترتبط بشكل أو بآخر بمحور المقاومة رغم الخلافات المعروفة بينهما والناتجة حول الأزمة في سوريا ، ومصر لن تقبل بإجتياح القطاع وبتنفيذ مشاريع إسرائيلية مشبوهة هناك ، كما أن قدرات المقاومة الفلسطينية العسكرية تجعل من أي إجتياح مغامرة إسرائيلية غير محسوبة النتائج العسكرية كما والسياسية في ظل الإنتقادات الأوروبية لسياسة الإستيطان في الضفة والقدس .
10- إن واشنطن لن تخوض أي حرب عن إسرائيل ، وإدارة بايدن تريد حل الدولتين ، وإسرائيل تريد تغيير الأجندة الأميريكة الجديدة التي تميل إلى حل على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي . ويبدو أن بايدن يريد عاجلا أم آجلا نقض المكاسب التي أعطاها ترامب لإسرائيل في القدس .
لكل هذه الأسباب نجد التخبط والتهور الإسرائيلي ، فإسرائيل ذلك الكيان الذي إعتاد أن يحصد المكاسب على كل الصعد ، لم يعد يستطيع الحصاد بعد تغير المعادلات أولا ، والأولويات الدولية ثانيا . والأهم من ذلك أن الإنسان الفلسطيني قد تغير وأصبح يملك شجاعة مطلقة في تحدي الإحتلال إستنادا إلى عقيدة البقاء.