حسن الدّر_ ليبانون تايمز
إذا كان “الحكي ببلاش” فالمواقف الوطنيّة تحسب بالفواصل والنّقاط، وما يميّز العامل من الفاشل هو الحكمة في اتّخاذ المواقف.
والحكمة تقتضي اختيار الامكنة والأزمنة والعبارات المناسبة لكلّ موقف، حسب الظّروف السّياسيّة والاجتماعيّة وغيرها.
لكنّ فخامة رئيس الجمهوريّة وفريقه السّياسيّ، يطالعنا بمواقف شعبويّة مثيرة للشّفقة، في ظروف اجتماعيّة وسياسيّة عصيبة.
مواقف تصبّ كلّها في خانة “ما خلّونا” أو “ما عم يخلّونا”، ثمّ يستنجد فخامته بالشّعب، ليسانده في ثورته الهلاميّة!
ذلك الشّعب نفسه الّذي لم يترك نغمة إلّا وعزف عليها لحن “الهيلا هيلا هو” تغنّيًا بمآثر الصّهر العنيد، وانجازاته العظيمة الّتي كتبت بحبر سرّيّ، لا يقرأه سوى العونيين والباسيليين!
وللأمانة، يسجّل فريق رئيس الجمهوريّة ومستشاروه سوابق ملفتة في العمل السّياسيّ والاعلاميّ، وآخر الابداعات كانت التّغريدة الّتي تشعرك بشيء من الرّهبة والهيبة، عندما تبدأ بالفعل “أحذّر”!
لكنّ التّحذير موجّه إلى “الجانب اللّبناني”، فتضطرّ إلى إعادة القراءة أكثر من مرّة، لعلّك تفهم قواعد النّمط الجديد والفريد من الخطابات الرّسميّة الّتي تكرّسها مدرسة المستشارين الرّئاسيين!
تذكّرت يومها عبارة مضحكة، تنقل عن أحد البسطاء الّذي كان مفتونًا بالزّعيم الرّاحل جمال عبد النّاصر، وكان يردّد عبارة “مصر تهدّد القاهرة” ظنًّا منه بأنّ القاهرة دولة معادية لمصر!
بالعودة إلى “معركة” التّدقيق الجنائي الّتي يقودها فخامة الرّئيس، ويوجّه فريقه السّياسيّ الاتّهام بشكل مباشر لحركة أمل، ورئيسها تحديدًا، بمحاولة تعطيل التّدقيق الجنائيّ، والتّهرّب من فتح الملفّات الماليّة للمصرف المركزي، نسأل كمواطنين بسطاء:
أولًا: اذا كان فخامة الرّئيس قادرًا على التّحذير، فهو حكمًا قادر على المحاسبة، فلماذا لا يتّخذ إجراءات عمليّة ويضع التّدقيق الجنائي بندًا وحيدًا على جلسة طارئة لمجلس الوزراء ويضع المعطّلين في خانة اليك، لنعرف عدوّنا الدّاخليّ الّذي سرقنا ويحاول النّفاد بفعلته؟
ثانيًا: ذكّر عضو كتلة التّنمية والتّحرير النّائب علي بزّي في ردّه على الوزير السّابق غسّان عطالله بأنّ رئيس مجلس النّوّاب نبيه برّي قام بما يمليه عليه واجبه الوطنيّ والدّستوريّ، وأقرّ قانون التّدقيق الجنائي الكامل والشّامل بدءً بالمصرف المركزيّ، والكرة في ملعب السّلطة التّنفيذيّة، وعلى رأسها فخامة الرّئيس، بصلاحيّة ترؤس مجلس الوزراء، فلماذا التّأخير في أخذ الاجراءات الفعليّة اللّازمة لكشف الحقيقة ومقاضاة المجرمين؟
ثالثًا: أكّد المعاون السّياسيّ للرّئيس نبيه برّي النّائب علي حسن خليل، في لقاء مع كوادر حركة أمل، بأنّ الحركة هي الطّرف الأقلّ ارتباطًا بمصرف لبنان وحساباته، وقد سبق بأن أنجز كلّ حسابات الدّولة أثناء تولّيه لوزارة الماليّة ثمّ حوّلها على ديوان المحاسبة لإجراء المقتضى القانونيّ، وعندما سئل عن الدّاعي لادخال هذه الحسابات ضمن مهام شركة التّدقيق الماليّ قال بأنّ ذلك يضفي على عمله مزيدًا من الشّفافيّة والمصداقيّة أمام الرّأي العام اللّبناني والعالمي، وليست شرطًا للبدء بها، فليبدأوا من حيث أرادوا، وليحاسبوا كلّ من يعرقل تسليم المستندات اللّازمة، فكيف تردّون على هذه الادّعاءات؟
رابعًا: ما الغاية من خوض المعارك الوهميّة بخطابات شعبويّة، فالشّعب يختار المسؤولين ليقفوا إلى جانبه وليس العكس، وأنت يا فخامة الرّئيس، مع حلفائك، تشكّلون أكثريّة وازنة في مجلس الوزراء، من دون حركة أمل، وعليه، لماذا لا تقيلون حاكم مصرف لبنان وتحيلونه إلى التّحقيق في القضاء اللّبنانيّ؟ فوزارة العدل من حصّتكم، والشّعب المنهوب لن يقف إلى جانب النّاهب ومن يدعمه!
لقد مللنا السّياسة وألاعيبها، ولم نعد نملك ترف الخوض في زواريبها الضّيقة، نريد حقوقنا البدائيّة في حياة كريمة.
وإذا كنتم في انفصال عن الواقع، فنحن في قلب المعاناة، وليس من عاداتنا أن نقف على أبواب التّعاونيات والأفران ومحطّات المحروقات لنستجدي المواد الأساسيّة، وليس من الكرامة أن ننتظر البطاقات التّموينيّة، ولا المساعدات العينيّة لنطعم أبناءنا، نريد وصاية الدّولة الّتي وعدتمونا بها، ووعد الحرّ دَين!