سامر ماهر عبدالله – ليبانون تايمز
إعتقد كثر أن فرنسا ستفرض نمطاً جديداً في الواقع السياسي اللبناني إنطلاقا من مشهدين: الأول يرتبط بالانحطاط السياسي والفشل الاقتصادي والخوف من الانهيار التام للبنان مع عجز الصيغة اللبنانية على التكيف مع كل المعطيات ان كانت داخلية أم خارجية، مما أوجد حاجة لمبادرات إيجابية في الساحة اللبنانية.
والمشهد الثاني تم تصويره وكأن فرنسا تتوجه لفرض وصاية معينة على لبنان، وقد حمل رئيسها عدة شعارات منها حكومة إختصاصيين، وعقد إجتماعي جديد، وتهديد بعقوبات ضد من يعرقل المبادرة الفرنسية.
إن تحييد موضوع المقاومة لم يكن بالتأكيد قناعة عند الفرنسيين بقدر ما كان مناورة لعدم فشل مبادرتهم في مهدها. غير أن تعاطي الرئيس ماكرون المنطقي مع حزب الله، والتواصل الفرنسي معه عبر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وغيره قد أدى من ناحية أخرى إلى تجاهل الولايات المتحدة ودول الخليج للمبادرة الفرنسية واعتبارها كأنها غير موجودة.
إذا، في سياسة واشنطن لا شيء إسمه فصل لبنان واقتصاده واستقراره السياسي عن موضوع المقاومة، وأن أي مقاربة أخرى بنظرهم هي مستحيلة.
مع العلم أن عامل المقاومة هو أحد العناصر الايجابية في تاريخ لبنان الحديث، وحول عنوان المقاومة يلتف جزء كبير من اللبنانيين، ومن الخطأ مقاربة هذا العنوان من ناحية اقليمية فقط، سيما وأن جميع الدول العربية كانت داعمة لهذا الخيار اللبناني قبل ادخال الاميركي الفتنة المذهبية الى المنطقة عند غزوه العراق.
وإذا كانت واشنطن – وفقا لتجارب عديدة – تعرف أنها لن تحقق أي من أهداف إسرائيل في لبنان، فإنه لا مانع عندها من إطالة الأزمة اللبنانية، ومن ربطها مجددا بملف مفاعلات ايران النووية وصواريخها بعيدة المدى في ضوء استعداد كل من طهران وواشنطن لجولات من المفاوضات مع بدء ولاية بايدن.
في ضوء كل ذلك، تبقى إستحالة تشكيل الحكومة، مع وجود الفيتو الاميركي – الخليجي على سياسة الرئيس سعد الحريري المتمثلة بربطه النزاع مع حزب الله.
طبعا هناك عوائق داخلية أمام تشكيل الحكومة، غير أنها ستتلاشى بسرعة عند وجود ضوء أخضر إقليمي ودولي لتشكيلها، تماما كما تلاشى شرط وجود جبران باسيل في أي حكومة يشكلها الحريري بنفسه مع انطلاق المبادرة الفرنسية.
في ضوء ذلك، نجد أن المبادرة الفرنسية قد أصبحت جزءا من الاستهلاك السياسي الداخلي، ومجرد شعار أو عنوان يتمسك به كل من يريد رفع كاهل التعطيل الحكومي عن نفسه.
اذا، المبادرة الفرنسية تنتظر بايدن أيضا، كما تنتظر أغلب الصراعات الدولية والاقليمية وصوله الى البيت الأبيض، وسبب ذلك أن ترامب خالف الكثير من العناوين التقليدية في السياسة الخارجية – وحتى الداخلية – الأميركية.
يبقى القول، أن اللعبة الداخلية اللبنانية لم تعد كالسابق، فلا سياسة ولا اقتصاد عندنا، وكثير من القادة قد انفصلوا عن الواقع، والبعض يطرح عناوين تقسيم وصيغ أمن ذاتي، كما أنه تم إدخال القضاء للأسف في المعارك السياسية.
لذا، فإن البلد بحاجة إلى صدمة إيجابية سياسية جديدة من أجل تقطيع هذه المرحلة الصعبة، أقله طاولة حوار على نسق ما كان يعده رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، لأن الحوار – مهما كانت مفاعيله – وحده الكفيل بلجم الانهيار والتقليل من حجم الأزمة.