د. سامر ماهر عبدالله – ليبانون تايمز
يخطئ من يعتقد أن نجاح ساسة لبنان في تشكيل حكومة سيؤدي إلى نقل البلد من مرحلة الانهيار إلى مرحلة الازدهار.
ذلك أن يوميات المشهد اللبناني ترتبط ارتباطا وثيقا بملفات المنطقة المعقدة وبالصورة المظلمة أمام مستقبل الانسان العربي.
الولايات المتحدة واسرائيل نجحتا في تمزيق المنطقة العربية، وفي تغليب العمل العربي المنفرد على العمل العربي الجماعي، وبداية ذلك كانت مع تأسيس الاحتلال الاميركي لدستور عراقي فيدرالي تقسيمي طائفي عرقي ويعادي الانتماء العربي لهذا البلد الذي يلتصق شعبه بمفهوم القومية العربية، وترتكز عقيدة جيشه على العداء لإسرائيل.
إذاً يخطئ من يظن أن المسألة اللبنانية هي داخلية محض، لذلك فإن تحصين لبنان يبدأ من خلال عودة العمل العربي الجماعي ، وعبر استعادة جامعة الدول العربي لدورها، وعبر التأسيس لمشروع يؤمن حماية الأمن القومي العربي.
لذا، على العرب وقبل فوات الأوان، إنقاذ ما تبقى من أوطان عربية قبل إنهيارها، والشروع في محاورة الدولتين الإقليميتين الأساسيتين تركيا وإيران، وتعزيز موقع مصر التفاوضي مع أثيوبيا حول مياه النيل، ودعم الفلسطينيين ومشروعهم الوطني تجاه الاطماع الاسرائيلية.
عودة الى الداخل اللبناني، ومع التسليم بإنعكاس الفشل العربي على العمل السياسي في لبنان، فقد ثبت أن لبنان دولة تفتقد إلى مؤسسة القرار الصلبة، وأن الصيغة اللبنانية لا تصلح لكل الظروف الداخلية والاقليمية والدولية، وأن بدعة التوازن الطائفي قد حولت البلد إلى شبه دولة، كما أن الترهل الاداري والسياسي والرقابي أدى إلى فشل كامل للتجربة الاقتصادية اللبنانية مع انهيار القطاع المصرفي مؤخرا بشكل فظيع وخطير.
لذا، وكما يتوجب على العرب البحث عن مشروعهم المستقبلي، يتوجب على اللبنانيين البحث عن لبنان عصري ومتطور وعن مجتمع لبناني حديث بعيدا عن الطائفية والمذهبية.
لقد تم اغفال المسألة الاجتماعية في لبنان بعد اتفاق الطائف، ولم تعمد الدولة الى توجيه الطاقات البشرية اللبنانية نحو ثقافة الدولة المدنية.
يجب أن نكون على يقين دائم أنه لن يتم بناء الدولة الحقيقية في لبنان ما لم يتم تغليب مصلحة الدولة على مصلحة الطائفة أو المذهب ليتحرر الفرد من القيود الوهمية التي تقف أمام تطوير قناعاته ومستقبله.
كل ذلك لن يتحقق ما لم تتم العودة إلى جذور الأزمة اللبنانية، وأولها الخطيئة الكبرى التي ربطت الكيان السياسي اللبناني بالفكرة الطائفية المحض، فكانت استحالة بناء سياسة حقيقية ونظام عادل ودولة مواطنة.
الشجاعة مطلوبة الآن من الجميع، كما أن الجميع مدعو للتنازل، ومن الخطأ ربط المشاكل اللبنانية التاريخية بموضوع النقاش حول سلاح المقاومة الذي ينفصل تماما عن فشل الصيغة اللبنانية.
فالمقاومة اللبنانية نشأت في مرحلة ضعف الدولة وفشل سياستها الدفاعية، وهي حالة تنتج طبيعياً في كل الدول التي تتعرض لعدوان خارجي، ومن الظلم ومن الخطأ طرح نزح سلاحها عند أي طرح للإصلاح السياسي في لبنان.
آن الأوان لوطن حديث ولدستور حديث ولحوار إجتماعي فعال، وهذا يستلزم التسليم أولا بالفشل التام للطائفية السياسية، وبالشروع في بناء مؤسسات حقيقية، وفي وضع سياسات إجتماعية حقيقية، وفي تكريس منطق المحاسبة.