في وقت لا يزال التكتّم يحيط مسوّدة تأليف الحكومة العتيدة، تكثر علامات الاستفهام في الأوساط الشعبية حول المخاض الوزاريّ والنموذج الذي سيولد في النهاية. عموماً، الهدوء يخيّم على مقلب المقرّبين من الرئيس المكلّف الذين يعبّرون عن معطيات إيجابية وراء كواليس المشاورات، لا بدّ في رأيهم من التعويل عليها للوصول إلى نتائج تسهم في انقشاع الدخان الأبيض عن المسوّدة الحكومية.
في غضون ذلك، لا تزال المكالمة التي جمعت الرئيس سعد الحريري برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تثير اهتماماً في أرجاء المجالس السياسية، خصوصاً بعد خروج أصوات تشير إلى مطالبة كتلة “ضمانة الجبل” بالتمثّل في الحكومة العتيدة. خلاصة حديث جنبلاط مع الرئيس المكلّف وكيفية تسمية الوزراء واختيارهم والمقاربة من مستجدات الحراك الحكومي، عناوين أسئلة تطرحها “النهار” على مستشار رئيس الحزب التقدمي رامي الريس الذي يبدأ حديثه في القول إنّ “المطلوب تشكيل فريق وزاري من أصحاب الكفايات، ولا بدّ من ترقّب تقدّم الخطوات وانتظار تبلور نتيجة التكتّم عن عملية تشكيل الحكومة”.
رنين هاتف جنبلاط واتصال الحريري به، يختصره الريّس في الإشارة إلى “تناول الموضوع الحكومي وكيفية توزيع الحقائب، وكانت مطالبة واضحة بأن يتمثل الدروز بوزارتي الصّحة والشؤون الاجتماعية، على أن تتمحور الأولوية حول التمثّل بحقيبة الصحة”.
الخطوط السياسية التي فتحها خطّ المكالمة بين المكوّنين، ينطلق منها الريّس ليقول إنّ “جنبلاط لا يطالب بتسمية الوزراء أو اختيارهم بنفسه، لكنه يحرص على أن تُتّبع وحدة المعايير على جميع القوى السياسية، إذ لا يمكن تطبيق معيار معيّن على أحزاب من دون سواها. وليختر الرئيس المكلّف الوزراء، لكن فليقع الاختيار على أسماء تتمتع بالكفاية والجدارة المطلوبة، شرط أن تأتي التسمية على ضوء المعايير التي ستعتمد مع جميع القوى. وفي النهاية، يتشاور الرئيس المكلّف مع الكتل النيابية ويبلغها حصيلة الاتصالات التي قام بها، إذ إن الحكومة لن تشكّل من كوكب آخر. من هنا، يدعو الحزب التقدمي المعنيين في تشكيل الحكومة إلى توحيد المعايير المتّبعة وتنظيم عملية التأليف، بما يعكس مناخاً جديداً يسهم في بداية إعادة عامل الثقة إلى البلاد”.
عن الخشية التي يعبّر عنها الرأي العام من إعادة إنتاج حكومة حسان دياب ثانية، في حال عمدت الأحزاب إلى استبدال الاختصاصيين الحقيقيين بوكلاء على طاولة مجلس الوزراء؛ يقول إنّ “حكومة دياب عانت من مشكلتين اثنتين: تشكّلت الحكومة من لون واحد ما أدّى إلى اختلال التوازن وغياب الإنتاج، وأسفر عن معارضة داخلية لها ما أسهم في إسقاطها. تؤكّد هذه التجربة أنّه لا يمكن التعويل على حكومة من لون واحد. ولا يغيب عن المشهد أن الرأي العام خُدع بالشعارات حينذاك من خلال تشكيل حكومة، قيل إنّها مكوّنة من اختصاصيين، لكنّها لم تكن كذلك. لا بدّ ألّا يتكرّر السيناريو مجدّداً من هذه الزاوية، والمطلوب فعليّاً تشكيل حكومة كفايات تساعد على ترجمة بنود المبادرة الفرنسية وتحظى بثقة الداخل والخارج”.
ويلفت إلى “أنّنا أمام تحدٍّ كبير والقوى السياسية تتهيّب الواقع الاقتصادي والاجتماعي بدرجات متفاوتة، اذ يستوجب الوضع التعامل بمسؤولية والدفع إلى الأمام بدل عرقلة عمل الحكومة كما كان يحصل في مراحل سابقة”.
شبكة اتصالات جنبلاط و”راداراته”، يعبّر عنها الريّس في قوله إنّ “حسابات رئيس التقدمي وأجندته ورؤيته غير مبنيّة على منطلقات تحقيق مكاسب سياسية، بل إنّه يهدف إلى استلحاق المبادرة الفرنسية عبر تشكيل حكومة جديدة، لا بدّ أن تكون قادرة وفاعلة. الاعتبارات ليست محاصصية أو مرتبطة بالدخول إلى السلطة مجدّداً باعتبار أنّ المشاركة في الحكومات ليست تجربة مشجعة لبنانيّاً. وتأتي المشاركة نتيجة الحاجة للمباشرة في عملية الإنقاذ، إذ التمس جنبلاط مخاطر سقوط المبادرة الفرنسية وانعكاسها السلبي على الوضع في لبنان”.
ويقول إنّ “التقدمي يأمل عدم العودة إلى موضوع المطالبة بحقائب، مع الإشارة إلى ضرورة ابتعاد بعض القوى السياسية عن اتّباع منطق المناكفات، لأن التفاهم مع الحريري واضح ونتمنى ألا يحصل نقض للتفاهم الحاصل. يمثّل جنبلاط أكثر من 80% من الدروز بحسب ما أظهرته نتائج الانتخابات، وهنا يكمن السؤال: لماذا لا تطلب الأقليات الحزبية داخل الطوائف الأخرى التمثّل في الحكومات وتنحصر هذه النغمة بالتمثيل الدرزي ومحاولة القضم من تمثيل الحزب الاشتراكي الشعبي؟ في العادة، تتمثل الكتل الكبرى في الحكومة، ولا بد من التأكيد مجدّداً على ضرورة اعتماد وحدة المعايير”.
وفي المعطيات المتوافرة لدى الريّس، فإنّ “حالاً من الترقّب تسود في المجتمع العربي والدولي بانتظار تبلور شكل الحكومة والأعضاء المؤلّفة منها وبرنامج العمل والبيان الوزاري، وعلى ضوء ذلك سيترجم الحكم على الفريق الوزاري المؤلّف”.
ويخلص إلى أنّه “لا يوجد على الطاولة اللبنانية سوى ورقة المبادرة الفرنسية مع غطاء سياسي توفّره القوى الفاعلة لها. لا بدائل متوافرة أو مبادرات أخرى خارج نطاق المبادرة الفرنسية. لبنان لم يعد يشكّل أولوية لدى كثير من الدول، ويبقى الأمل في أن تشكّل الحماسة الفرنسية قاطرة لإعادة ترميم علاقات لبنان الخارجية وإحيائها”.