الدكتور سامر ماهر عبدالله- ليبانون تايمز
لا يخفى أن الانهيار الاقتصادي هو من الأسباب الرئيسية للإنهيار السياسي والإجتماعي ولأن الفقر قد يؤدي إلى تشظي الدول سيما تلك التي ترتكز على توازنات دقيقة تخفي انقسامات حادة كحالة لبنان ، وإنه لمن الثابت أن الأزمة الإقتصادية في لبنان في جزء كبير منها ممنهج سببه الحصار الإقليمي والدولي على بيروت لأسباب تتعلق بالرغبة في تقويض نفوذ إيران في لبنان ، ومن جهة أخرى ، وفي ظل عدم وجود مشروع عربي يؤسس للإستقرار في المنطقة ، ومع تراجع التضامن العربي إلى أدنى مستوياته ، فإن فريق واسع من اللبنانيين يعتبر أن التحالف مع إيران يمنع من تمدد النفوذ الإسرائيلي في لبنان.
ودون الغوص كثيرا في العناوين الإقليمية وانعكاساتها على المشهد الداخلي ، ورغم بعض الإشارات التي يمكن أن يؤسس عليها في توجه الإقليم نحو حوار يخفف من الإحتقان المذهبي الممتد من اليمن الى البحرين والعراق وسوريا ولبنان ، فإن للواقع اللبناني خصوصيته المتمثلة بالتوازن بين المقاومة والاحتلال الاسرائيلي ،وهذا التوازن أصبح جزءا من الجغرافيا السياسية في المنطقة .
إن الحكومة المتوقعة ستأتي في وقت لم يعد فيه ممكنا تجاهل حتمية الاصلاح السياسي مهما كانت التعقيدات ، وهنا ينبغي التوقف عند شخصية رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي أثبت أنه حريص على التهدئة الشيعية – السنية عبر مساره السياسي الطويل الذي بدأ مع اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري .
فالرئيس سعد الحريري ، ورغم اصراره على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عاد ليؤكد أن حكمها ينبغي أن لا يؤدي إلى نسف الإستقرار الداخلي ، كما أنه ورغم دخوله على خط الاشتباك العربي – السوري عاد ليقفل ملف المحاور بين المنطقة العلوية والمنطقة السنية في طرابلس وحتى ليغطي توقيف بعض قادة المحاور هناك والمحسوبين على تياره السياسي ، كما أن سعد الحريري وفي ذروة الخلاف المذهبي السني – الشيعي ، وبعد نمو ظاهرة أحمد الأسير في عبرا – صيدا ، عاد ليغطي دور الجيش في انهاء هذه الحالة ويغطي توقيف الاسير ومحاكمته بجرائم ارهابية ، كما أنه غطى في السياسة نتائج عملية تطهير جرود عرسال من الإرهاب.
إذا ، بين سعد الحريري وحزب الله ثقة من نوع خاص ، وتاريخ طويل من التفهم المتبادل ، ومما عزز هذه الثقة دور رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الذي أصر على بناء أوثق العلاقة مع الرئيس سعد الحريري لقناعته بضرورة عدم القطيعة بين الشيعة والسنة وبين الشيعة والنظام الرسمي العربي .
بالعودة إلى سعد الحريري والثنائي الشيعي ، فإن كل منهما يملك مفتاح التهدئة في لبنان ، سيما وأن التفاهم السني – الشيعي على عدم عسكرة الداخل اللبناني كاف لوحده بمنع الحرب الأهلية ، وهذا التفاهم من شأنه أن يقلل من خطر أي دور سلبي قد يلعبه آخرون في الداخل اللبناني.
في هذا التوقيت تأتي إشارات عسكرية من جانب القوات اللبنانية تحت عنوان مبالغ فيه وهو تحقيق الردع مع سلاح حزب الله ، وقد لاقى هذا الأمر انتقادا من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط .
أعتبر أن الرهان الفاشل على الفتنة السنية -الشيعية دفع البعض للرهان على الفتنة الشيعية -المسيحية ، غير أن هذا الرهان هو ساقط من أوله لأسباب عديدة أهمها وجود وعي لبناني عابر للطوائف ، ووجود الجيش اللبناني ، واستحالة تغطية البطريرك الراعي لمشاريع التسلح في الشارع المسيحي الذي لا يحتمل مغامرات ستدفع إلى مغامرات مضادة من التيارات السياسية المسيحية الأخرى.
بناء على كل ذلك ، فإن موافقة السعودية الضمنية على عودة الحريري ، وتسهيل حزب الله عملية التكليف ، يؤكد أن التهدئة مطلوبة ، وأي قراءة أخرى بحاجة إلى نسق جديد غير الحالي ، وأن ركيزة المبادرة الفرنسية هو التفاوض بين ايران والولايات المتحدة.