حسن الدّر – ليبانون تايمز
اختتم الرئيس الفرنسي ايمانيول ماكرون ما بدأته أميركا وحلفاؤها بمحاولة “تلبيس” الثّنائي الشّيعي قميص التّعطيل، وتحميله وزر ضياع الفرصة الأخيرة لانتشال لبنان من غياهب أزماته الاقتصاديّة والسّياسيّة والأمنيّة أيضًا..
ماكرون، الّذي خصّص ساعة كاملة للحديث عن أسباب فشل مبادرته في لبنان، حمّل الجزء الأكبر من التّعطيل للثّنائي الشّيعي، بسبب إصراره على وزارة الماليّة وتسمية وزرائه، ومرّ عرضًا على دور الرّئيس سعد الحريري بتعطيل المبادرة، فاعتبر أنّ الحريري أضاف العنصر الطّائفي على المبادرة!
لكنّ السّيّد ماكرون لم يقل لنا بأيّ حقّ، وأيّ صفة، وأيّ دستور سمح للحريري بالتّدخّل في تشكيل الحكومة واختيار أسماء وزراء الطّوائف الأخرى، فضلًا عن وزراء طائفته!
ثمّ إنّ السّيّد ماكرون لم يحدّد لنا الجهة المخوّلة تحديد شكل الحكومة واختيار أسماء الوزراء، وتوزيع الحقائب، لكي نعرف بالضّبط، من الّذي عطّل وأفشل مبادرته، وإذا كانت المبادرة تحترم نصّ الطّائف، كما ادّعى في مؤتمره الصّحفيّ، وهذه المهمّة منوطة بالرّئيس المكلّف بالتّشاور مع رئيس الجمهوريّة، فلماذا تولّى رؤساء الحكومات السّابقين هذه المهمّة؟ هل أعطاهم السّيّد ماكرون هذا الحقّ؟ وهل أخذ وعدًا من الثّنائي الشّيعي بتفويض نادي الرّؤساء السّابقين تنفيذ المبادرة، ثمّ انقلب قادة الثّنائي على وعدهم وأفشلوا مسعاه؟
المتابع لمؤتمر ماكرون مساء الأحد الماضي، مقارنة بكلامه في زيارتيه السّابقتين إلى لبنان، يلاحظ حجم التّناقض في مواقفه، وحجم الانقلاب الّذي نفّذه على نفسه وعلى مواقفه اتّجاه حزب الله تحديدًا، ولا يظنّ عاقلٌ بأنّ ماكرون تنبّه إلى دور الحزب في سوريا والدّاخل وعلى الحدود الجنوبيّة خلال الأسابيع الماضية فقط!
فهل فشل ماكرون في استدراج الثّنائي إلى مصيدة الاقصاء النّاعم؟ أم أنّ أميركا ضغطت عليه وأجبرته على الانقلاب على نفسه وتبنّي رؤيتها حول لبنان؟!
في كلا الحالين فقدَ ماكرون صفة الصديق الوسيط بين اللّبنانيين، وصار طرفًا متطرّفًا، وغير عادل في تقييم أدوار اللّبنانيين حيال مبادرته!
فماذا كان مطلوبًا من الثّنائي، لتسهيل المبادرة الفرنسيّة، أكثر من التّنازل عن أكثريّته النّيابيّة، وعن حقّه الدّستوري بتشكيل الحكومة، وقبوله بحكومة اختصاصيين؟!
ولماذا يحقّ للحريري زيادة العنصر الطّائفي على ورقة ماكرون، وتسمية وزراء المسيحيين والشّيعة، ولا يحقّ للشّيعة والمسيحيين تسمية وزرائهم؟!
ألم ينتبه السّيّد ماكرون إلى تفرّد الحريري ومعه زملاؤه رؤساء الحكومات السّابقون بعمليّة التّأليف، وبأنّه لم يقدّم شيئًا من “كيسه” بل راح يضع الشّروط التّعجيزيّة في وجه من قدّم له “لبن العصفور”، وحاول فرض نفسه ممثّلًا وحيدًا لطائفته، وحاكمًا مطلقًا في لبنان؟!
وإذا تفهّمنا سلوك ماكرون وسياسته القائمة على حفظ مصالح بلاده، فلا نفهم موقف الأحزاب اللّبنانيّة من الثّنائي، شريكهم في الوطن، وأخيهم في المواطنيّة!
هل نسي الحريري تمسّك الرّئيس نبيه برّي به مرشّحًا أوّلًا لأيّ حكومة، حفاظًا عليه وعلى تمثيله الوازن في طائفته، وكي لا يشعر “السّنّة”، وهم مكوّن أساسيّ بالغبن والتّهميش؟!
وهل نسي جبران باسيل مواقف السيد نصرالله معه، وإصراره على انتخاب الرّئيس ميشال عون القويّ في طائفته، والممثّل الوحيد لها بعد اتّفاق معراب، حفاظًا على الدَور المسيحي في لبنان، وتطمينًا لها بعد شعورها بالغبن منذ ما بعد الطّائف إلى تاريخه؟
وهل نسي وليد جنبلاط صديقه اللّدود نبيه برّي، وفرضه شريكًا وازنًا في كلّ الحكومات؟ حتّى في حكومة حسّان دياب لم يرضَ برّي إلّا بوجود صديقه عبر الوزيرة المستقيلة منال عبد الصّمد!
سلوك الثّنائي مع حلفائه ليس استثمارًا سياسيًّا، بل هو امتداد لروح التّعايش المشترك والعيش الواحد الّتي أرساها الإمام موسى الصّدر يوم رفض عزل الكتائب قبيل اندلاع الحرب اللّبنانيّة عام ١٩٧٥، فهل هكذا يكافأ الثّنائي؟
وهل نبني وطنًا بهذه الذّهنيّة؟ وهل نسعى لاستقرار بلد طائفيّ بالمساهمة في الاستفراد بطائفة كبرى، تشعر أصلًا بالعزل والاستهداف؟
الثّنائي الشّيعيّ متوجّس من حملة خارجيّة معلنة على دوره الرّادع لإسرائيل، فجاءت مواقف الحريري وباسيل وجنبلاط ومعهم جعجع برفع شعار المداورة على رماح المؤامرة، ليحرجوا الثّنائي ويعزلوه ثمّ يخرجوه، وهذه ليست لحظة عابرة في مسار الأحداث، بل هي تأسيس لما هو أمرّ وأدهى، يرى فيها الثّنائي أنّ التّنازل اليوم سقوط لأوّل حجر في لعبة دومينو، تبدأ بوزراة الماليّة ولا تنتهي بفرض التّطبيع!
وحملة التّسخيف والتسطيح لموقفه من سلبه حقّه في المشاركة بتأليف الحكومة ستمتدّ لتطال أمورًا أكبر وأخطر، في المراحل القادمة؛ فمن يضمن ألّا تعلوا أصوات تطالب بحلّ مسألة ترسيم الحدود كيفما اتّفق، والحجّة جاهزة: لبنان غارق في أزماته، وانهاء مسألة التّرسيم سيغدق علينا الأموال والهبات والمساعدات! وإلّا، فلماذا يصرّون على سحب ملفّ التّفاوض من يد الرّئيس نبيه برّي؟!
بانتظار صدور نتائج الانتخابات الرّئاسيّة الأميركيّة، ومع فشل محاولة فرنسا تقطيع المرحلة، ربّما يكون التّطبيع، في نظر قدّيسي اليوم، حلًّا سحريًّا لكلّ مشاكلنا، وانهاءًا لكلّ حروبنا، وسلامًا أبديًّا لكلّ أيّامنا، وانسجامًا مع محيطنا العربيّ الكبير، ويكون الثّنائي الشّيعي عائقًا في سبيل رغد لبنان واللّبنانيين! ويبدأ المحلّلون الاستراتيجيّون بطرح أسئلة عميقة وبنيويّة: ماذا يريد الثّنائي في لبنان؟ ولماذا يمنعون سبل الحياة عن أهله؟!