سامر ماهر عبدالله – ليبانون تايمز
مع مباشرة فرنسا تدخلها في لبنان بعد انفجار المرفأ ، بدت سياسة باريس “اللبنانية ” متناقضة سواء من حيث الإجراءات أم من حيث المضمون، ولهذا الأمر أسبابه وأبرزها أن فرنسا دخلت إلى “ملعب ” ليس لها فيه أي نفوذ يذكر قياسا على الدول الأخرى الفاعلة حاليا في المنطقة.
بدأت فرنسا دورها المستجد في لبنان ضمن عنوانين أساسيين، الأول حكومة وحدة وطنية، والثاني عقد إجتماعي جديد. ثم انحرفت هذه الخطة نحو بدعة حكومة الإختصاص ومهل زمنية ملزمة لتشكيل الحكومة تحت طائلة فرض عقوبات على الطبقة الحاكمة.
في هذه المرحلة أتى قرار العقوبات الأميركية على الوزيرين خليل وفنيانوس لتقول واشنطن لباريس: القرار في لبنان لي وليس لكم وأن عليكم التمييز في لبنان بين فريق واشنطن وفريق محور المقاومة.
كان قرار العقوبات الأميركية بمثابة صدمة تلقتها باريس وجعلها تتراجع مؤقتا وتسلم ملف تشكيل الحكومة لما يسمى نادي رؤساء الحكومة السابقين.
وبدا للفرنسي هنا أن فريق ٨ آذار السياسي في لبنان أكثر التزاما بالعهود من بقايا ١٤ آذار، وأن توقيت العقوبات أتى بتنسيق بين واشنطن و١٤ آذار لتطويق المبادرة الفرنسية وجعلها تنحرف لتنحصر بتطبيق القرار ١٥٥٩ وهذا ما لا تريده باريس لأن مشروعها يمتد من لعب دور ايجابي في لبنان وصولا الى محاولة تسوية الملف النووي الايراني سلمياً.
استطاع الفرنسي تجنب بعض الألغام عبر تغاضيه عن الآجال التي وضعها لتشكيل الحكومة خوفا من سقوط مبادرته وسقوط دوره بالكامل في لبنان.
بالعودة الى الاميركي، فهي يدير عملية صناعة الشرق الاوسط الجديد وفقا لعنوان أساسي هو صفقة القرن وشطب القضية الفلسطينية. ولربما يقبل الاميركي ببعض النفوذ الفرنسي في لبنان وخاصة في الجانب الاقتصادي ولكن الامر مشروط بنجاح باريس في تحييد لبنان عن ضرب “صفقة “القرن، وجعله يتنازل في الحدود البحرية لصالح اسرائيل وهذا ما لا يقبل به أي وطني في لبنان.
إن خيار التطبيع مع اسرائيل أصبح – للأسف – مطلبا أميركيًا ملحا في مرحلة ما بعد انسحاب اميركا من المنطقة ، وهذا الأمر يلقى قبولا روسيا ، بينما أوروبا وخاصة فرنسا تم تهميشها وهي تبحث عن دور لها في المنطقة بعد أن وضعها الأميركي في مواجهة التركي وتهديداته بإغراقها بالنازحين مع كل أزمة مستجدة في المتوسط .
أعتقد أن الفرنسي أصبح مدركاً أن الفخ الليبي قد نصب له في لبنان كمقدمة لشطب حضور اوروبا تدريجيا في المنطقة، لذا فإن موقف الرئيس سعد الحريري الايجابي – مبدئيا – لناحية حلحلة عقدة وزارة المالية بما يراعي مطلب الثنائي الشيعي أتى بقرار فرنسي منعا لإفشال المبادرة الفرنسية ومنعا لإستمرار القرار في تشكيل الحكومة بيد مجموعة واشنطن المتشددة في لبنان.