د سامر ماهر عبدالله- ليبانون تايمز
يخطئ من يعتبر أن المبادرة الفرنسية تنحصر بالشق اللبناني الداخلي إنطلاقا من العلاقة التاريخية بين فرنسا ولبنان ، إنما هي جزء لا يتجزأ من مساعي الدول الكبرى لإدارة مصالحها في المنطقة سواء كانت مصالح سياسية أو إقتصادية .
ولا شك أن للبنان موقع مهم في معادلة الشرق الأوسط لأسباب عدة أبرزها :
١- عناصر القوة التي يملكها والمتمثلة بالمقاومة اللبنانية التي حققت التوازن مع العدو الإسرائيلي إضافة إلى أنها كانت فاعلة في الحرب على الإرهاب .
٢- كون لبنان السياسي في ظل المعادلة الراهنة هو العامل الأساسي – إن لم يكن العامل العربي الأول – في إنتاج قرار رفض صفقة القرن التي أطلقتها واشنطن لتصفية الحقوق الفلسطينيين المتمثلة بالدرجة الأولى في دولة مستقلة عاصمتها القدس .
لذا ، الهم الأساسي للدول الغربية الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأميركية هو تمرير صفقة القرن بأقل قدر من الخسائر ، سيما وأن تجربة إسقاط أوسلو التي قادتها طهران ما زالت محور قلق واهتمام أميركي واسرائيلي .
لقد بدأ التمهيد الأميركي لتمرير صفقة القرن من خلال الإجراءات التالية :
١- إلغاء الإتفاق النووي مع إيران ومن ثم تفعيل نظام عقوبات غير مسبوق ضدها وضد حزب الله .
٢- إغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس المسؤول عن تطويق إسرائيل بقوى المقاومة وبالصواريخ سواء في الجولان أم في لبنان أم في غزة . وكان الخوف الأميركي – الإسرائيلي من تطوير قدرات المقاومة في الضفة الغربية لتشتعل بقوة مع بدء تنفيذ صفقة القرن .
٣- إنتاج عوامل ضغط داخلية لبنانية عبر الحراك الشعبي وعبر الضغط المالي والنقدي من أجل التغيير التدريجي لعقيدة الدولة اللبنانية الاستراتيجية ضد إسرائيل .
في ظل هذه العوامل ، أتت المبادرة الفرنسية من أجل منع إنفجار المنطقة ابتداء من لبنان ، ومن أجل إدارة حوار غير مباشر مع طهران كمقدمة لحوار شامل معها بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية . وتم تغليف المبادرة الفرنسية ببعض العناوين الداخلية اللبنانية التي عرفت فيما بعد بإتفاق قصر الصنوبر .
فالأميركي يريد من الفرنسي تقديم بعض الجرعات الإيجابية في لبنان مع استمرار واشنطن في سياستها السلبية فقط من أجل ضبط الصراع .
لا يخفى أن هناك خوف فرنسي من دخول العامل التركي إلى لبنان وخاصة عبر بوابة النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين ، وأن لفرنسا طموح بلعب دور أكبر في المتوسط وفي إعمار سوريا وفي الصراع العربي الإسرائيلي ، إلا أنه ينبغي التأكيد أن واشنطن وضعت باريس في الواجهة اللبنانية لأن ترامب لا يحتمل حربا مفتوحة قبل الإستحقاق الإنتخابي الرئاسي .
إذا ، ترامب يريد صفقة القرن كعنوان يحقق حضور أقوى لإسرائيل في المنطقة ، ويريد استعمال عمليات التطبيع العربية – الإسرائيلية الأخيرة كإنجاز إنتخابي ليعود بعدها إلى الواقعية في التعامل مع قضايا المنطقة .
بالتأكيد الفرنسي وبتفويض أوروبي يريد أيضا إعادة الإعتبار للإنفاق النووي مع إيران من أجل تقليص التعاون الصيني – الإيراني ، ومن أجل استكمال الدور الأوروبي الاقتصادي في إيران .
يبقى أن دور المبادرة الفرنسية في إنتاج حكومة لبنانية جديدة مرهونا بتوازنات عدة ، غير أن نجاح أي حكومة مرهون بأمرين :
١- الإصلاح الداخلي السياسي والإقتصادي البعيد المنال .
٢- فك الحصار المالي العربي والغربي الذي أصبح وللأسف مرهونا بموافقة لبنان على صفقة القرن .
وبوضوح أكثر ، وقولا للحقيقة المرة ، إن الغرب يريد في لبنان نموذج التغيير الذي جرى في السودان حيث تم إنتاج حكم جديد – عبر الحراك – يسير على خط التطبيع مع إسرائيل مقابل فك الحصار عنه .
لذا ، على لبنان الرسمي والشعبي التنبه لمخاطر ما يجري ، والتمسك بعوامل قوة لبنان منعا من فرض حدود بحرية لصالح إسرائيل ومنعا لفرض التوطين .