بعد انفجار المرفأ في الرابع من آب 2020 ، تحرك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون باتجاه لبنان في الذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير، لإحياء الوجود الفرنسي في الشرق الأوسط، والتصدي للتمدد التركي (يراجع مقالنا فرنسا والتصدي لتركيا من لبنان تاريخ 4/9/2020).
تسللت المبادرة الفرنسية إلى لبنان، محاولة الإستفادة من إنشغال الإدارة الأميركية بإنتخابات الرئاسة، ودون أي إعتبار للرفض الخليجي لأي تسوية في لبنان، لا تلحظ إضعاف حزب الله، وسحب سلاح المقاومة.
زيارتان للرئيس الفرنسي إلى لبنان، سمع فيهما مناشدات بعض اللبنانيين عودة الوجود الفرنسي الى لبنان، وارتماء البعض في احضانه مستجيرا، ومطالبة البعض بعاطفة الأم الحنون، وترحيب رسمي وسياسي بالمبادرة وتسهيلا لها، دغدغت كلها عنده طموحات الإستعمار الدفينة لدى الدولة الفرنسية، واعتقد أن الملف اللبناني ملك يمينه، في محاولة منه لإحياء مراسم عام 1920.
ما أن انتهت زيارة الرئيس ماكرون الثانية، والتي نتج عنها الإتفاق على تشكيل حكومة خلال خمسة عشر يوما، وتسهيل تسمية رئيس مكلف برضى فرنسي، حتى حط في مطار لبنان مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، والذي لم يلتق أي من المسؤولين اللبنانين، على العكس اجتمع مع ما يعرف بالـ NGO ومجموعات المجتمع المدني، بالإضافة الى بعض الأحزاب، والتي تدور كلها في فلك أميركا، في مقر حزب الكتائب اللبنانية.
بعدها صدرت العقوبات الأميركية على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، واعقبتها تصريحات أميركية عن عدم تأييدها المطلق للمبادرة الفرنسية، وتوجت بمقالة لوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في صحيفة لو فيغارو الفرنسية، معربا عن أسفه لأن “فرنسا ترفض تصنيف حزب_الله كله كمنظمة إرهابية”، محذرا فرنسا من “أن جهودها لحل الأزمة في لبنان قد تضيع سدى إذا لم يتم التعامل على الفور مع مسألة تسلح حزب الله”.
هذه الأمور معطوفة على رفض الدول الخليجية غير المعلن للمبادرة الفرنسية، والذي عبر عنه بوضوح، عدم تسمية القوات اللبنانية للسفير مصطفى أديب لتشكيل الحكومة في لبنان، اعتبرها المراقبون محاولة أميركية لإجهاض المبادرة الفرنسية في لبنان.
لا شك أن الرئيس ماكرون في وضع لا يحسد عليه، وهو أمام عدة أمور تؤدي الى نفس النتيجة: فشل المبادرة الفرنسية.
1ــ القبول بالضغط الأميركي وإعتبار حزب الله منظمة إرهابية، ورفض إعطاء الطائفة الشيعية وزارة المالية، إمعانا في الضغط على الثنائي الشيعي، وبالتالي رفض الثنائي الشيعي المشاركة في الحكومة وفي جلسة الثقة النيابية، ما يفقد الحكومة ميثاقيتها، وينذر بعواقب سياسية وامنية وخيمة على لبنان.
2ــ رفض تصنيف حزب الله، والقبول باعطاء الثنائي الشيعي وزارة المالية، ما يؤدي الى رفض سني تحركه الولايات المتحدة ودول الخليج، وهو ما تبدى بالموقف المفاجئ للرئيس سعد الحريري، بالإضافة الى إعادة المظاهرات الى الشارع، ما يؤدي أيضا الى نفس العواقب.
3ــ إعتذار الرئيس المكلف مصطفى اديب، المدعوم فرنسيا، عن التأليف مع ما يستتبع ذلك من تحركات على الأرض تديرها أيضا المخابرات الأميركية.
عندما صرح الرئيس نبيه بري أن المشكلة ليست مع الفرنسيين، كان يشير الى تدخل أميركي بشكل مباشر للتصويب على المبادرة الفرنسية لإفشالها، وهو ما دفع الفرنسيين الى الضغط على الرئيس المكلف للتريث بتقديم تشكيل الحكومة الى رئيس الجمهورية، وايضا دفعه للتواصل مع الكتل النيابية من أجل الوقوف على رأيها بالتشكيلة، إفساحا للمجال أمام مزيد من التشاور، وربما ارسال مبعوث رسمي قد يكون مدير المخابرات الفرنسية بحثا عن حل، فهل يستنجد الرئيس ماكرون بالرئيس نبيه بري لإخراج أرنب يؤدي الى حفظ ماء وجه فرنسا، ويحمي لبنان من مصير مجهول؟
بقلم: غسان همداني