محمد علوش – الأحوال
لا شيء في لبنان يستمر على حاله، والإنهيار يطال جميع القطاعات، والضرر الذي أُصيبت به الليرة اللبنانية لن يعوّض بسهولة، ولكن يمكن التخفيف من وطأته بشروط، لتمكين المواطن من الاستمرار في بلد بات عدد الفقراء فيه أكبر من أن يُحتمل.
وصلت الازمة المالية الى الضمان الإجتماعي، فبعد ارتفاع نسبة الغلاء المعيشي في لبنان نحو 150 بالمئة وخسارة الليرة لنحو 80 بالمئة من قوتها وقيمتها، ضاعت حقوق المضمونين، وأصبحت تعويضات نهاية الخدمة، أي تلك الأموال التي يعوّل عليها المضمون لضمان حياة كريمة له بعد تقاعده من عمله، بلا قيمة، ومن كان ينتظر التعويض لشراء منزل أو ما شاكل، عليه تقليص حجم أحلامه.
محاولات لتخفيف وقع الكارثة
تشير مصادر في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي الى أن إدارة الصندوق، التي لا تتحمل مسؤولية انهيار الليرة، تعلم حجم الكارثة التي لحقت بالمواطنين المضمونين، وعملت على محاولة التخفيف من حجم الضرر، فبادرت الى القيام بجولة على المسؤولين المعنيين، لشرح الواقع السيء ومحاولة الوصول الى حلول، فالتقت رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، بحضور وزيرة العمل لميا يمّين، ومن ثم وزير المال غازي وزنة، ومن بعده حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، الذي وافق على طلب إدارة الضمان الاجتماعي الذي رُفع إليه بعنوان “حماية القيمة الشرائية لتعويضات نهاية الخدمة”.
يشرح الطلب الذي أرسل الى المصرف المركزي في 26 آب، الوقائع المؤثرة في قيمة التعويضات، خصوصاً وأن عددا كبيرا من المضمونين، ومعظمهم من ذوي الدخل المحدود، تقدّموا بطلب تصفية تعويض نهاية خدمتهم، إن كان بسبب بلوغهم 20 سنة خدمة، أو بسبب ترك العمل المأجور أو بلوغ سن التقاعد، متمنيا من المصرف المركزي اتخاذ القرارت المناسبة للمحافظة على القيمة الشرائية للتعويضات.
تشير المصادر الى أن الحاكم تعاطى بإيجابية مع المسألة، فتقرر تحويل التعويض الى الدولار على أساس سعر الصرف 1515، ومن ثم دفعه الى المضمون على أساس 3900 ليرة للدولار الواحد.
بالأرقام.. هل هذا هو الحل؟
يكشف الخبير في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين أن قيمة تعويضات نهاية الخدمة التي يدفعها الضمان للذين يتقاعدون تبلغ نحو 850 مليار ليرة كمتوسط سنوي في السنوات الاخيرة، أي ما كان يوازي حوالي 560 مليون دولار، بينما اليوم وبحسب سعر الدولار 7000 ليرة لبنانية، أصبحت قيمة التعويضات تساوي حوالي 3920 مليار ليرة لبنانية، أما عندما تُحسب على أساس سعر صرف المنصة، أي 3900، فتصبح حوالي 2184 مليار ليرة، ما يعني ضياع حوالي 1736 مليار ليرة من حقوق المضمونين أي بنسبة 44 بالمئة.
قد يكون الحلّ بالنسبة للمضمونين مقبولاً بالوقت الحالي، ولكنه من جهة اخرى سيسبّب مشكلة إضافية كبيرة لليرة، فبحسب شمس الدين، تُدفع اشتراكات الضمان بالليرة، وهي لن تتبدّل قيمتها، ولن تصبح على أساس سعر صرف 3900، وبالتالي سيكون على المصرف المركزي أن يتحمّل الفوارق الكبيرة بقيمة التعويضات، من 850 مليار ليرة الى 2184 ليرة، أي 1334 مليار ليرة، مشيرا الى أن المصرف المركزي سيلجأ الى طباعة الأوراق النقدية لتغطية الفرق، ما يعني زيادة نسبة التضخم، الأمر الذي يؤدي الى ارتفاع سعر صرف الدولار.
قد تكون هذه السياسة المتبعة خاطئة، فالحلول لا تكون بالمفرّق، فكل حلّ يؤثر بمكان ما على الليرة، وبحال ظنّ المضمون أنه استفاد من اموال إضافية الا أن قيمة الاموال ستنخفض اكثر، وهذا لا يتحمل مسؤوليته المضمون إنما النظام المالي ككل، وإن كانت إدارة الضمان قد فكرّت بمصلحة المضمونين، الا أن واجب الدولة يفرض عليها التفكير بمصلحة اللبنانيين ككل.