بقلم د. محمد وهبي جمعه – ليبانون تايمز
تأتي إندفاعة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تجاه لبنان بعد مرحلة من الخيبات التي أفقدت فرنسا بريق حضورها في الشرق الأوسط، نتيجة التحولات الدولية المختلفة والسياسات التي انتهجتها عبر من سبقه إلى الحكم، لا سيما الرئيسان نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، كمرحلة جامعة للتناقض حيث غابت الأولويات الخارجية وحلت مفاهيم أخرى ترتكز على مصالح الدولة، وغابت عنها البراغماتية وحل مفهوم الجمع بين مختلفين: الأول، يتمثل في الحفاظ على دور فرنسا من خلال الإرث الفرنكوفوني، والثاني، يتجسد بأسلوب “من حضر السوق باع واشترى” من خلال السير خلف ركاب الولايات المتحدة الأميركية والتماهي مع أجنداتها، فالرئيس الفرنسي الأسبق انخرط في الحلف الأطلسي ودخل في مشروع توليد الأزمات في المشرق العربي، وقزّم دور فرنسا وأضعف مصالحها الخارجية على مستوى الأقليم، وأفقدها الدور الوازن في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وهي الدولة الدائمة العضوية في مجلس الأمن وتملك حق النقض الفيتو، كما أنها قوة نووية. كل ذلك طمعاً بدورٍ أو لحجز حضور في رقعة الشطرنج المتقلبة على نار المصالح الدولية ومتغيرات التوازنات الإقليمية، بعد حروب طاحنة استغلت شعارات الثورات والتغيير والإصلاح والحكم الرشيد ومستقبل الديمقراطية وغيرها، وكانت ساحتها الشرق الأوسط وأحد عناوينها ما يسمى بالربيع العربي، الذي خلَّف المآسي والويلات على شعوب المنطقة والتفكك والإندثار لمنظومات الدول القائمة، رغم أزماتها ومشاكلها.
إذا ينطلق الرئيس ماكرون في الأقليم من تركة ثقيلة ورثها من اسلافه، وتأتي مبادرته اتجاه لبنان في مرحلة اشتدت فيها تجاذبات مخاض ولادة التسويات، لتعيد خلط الأوراق ورسم التساؤلات حول استقلالية الخطوة أو تنسيقها مع الولايات المتحدة الأميركية، فتبدو هذه الخطوة متمايزة نسبياً عن الولايات المتحدة الأميركية رغم أن فرنسا ما زالت مكبّلة بسبب ارتباطها بالناتو فهي لا يمكن أن تعمل بمعزل عن الأميركي في الأقليم ، وعلى الرغم من ذلك تحاول فرنسا حماية مصالحها لا سيما الاقتصادية منها وتحديدا لجهة الغاز الموجود في البحر الأبيض المتوسط في مواجهة المد الصيني والروسي، بالإضافة إلى التحرك التركي شرقي المتوسط فأردوغان يحاول إعادة النظر في معاهدة لوزان يعني بالخرائط والمعاهدات التي أدت إلى رسم خريطة المنطقة حتى الآن. اذا إنه الصراع على مستقبل إدارة المنطقة.
وبالعودة إلى المبادرة اتجاه لبنان، فإن فرنسا تدرك جيداً أسباب الأزمات اللبنانية وحجم المطبات والتحديات، لأن التركة الموجودة في لبنان تعود إلى أيام الانتداب، حيث كانت الدولة الفرنسية راعية لتأسيس النظام السياسي للبنان، في دولة قائمة على اتحاد طوائفي هجين يتصدع كلما اشتدت تناقضات الصراعات الإقليمية والدولية، وهو ما نعيش أزماته اليوم. في حين كان المطلوب من الدولة الفرنسية في حينها، وهذا ما نص عليه الانتداب وحددته عصبة الأمم، تحويل لبنان إلى جمهورية، جمهورية يعني مواطن.
وللأسف هذا الأمر لم يحصل لغاية اليوم. وهذا ما يطرح التساؤلات حول محتوى جعبة الفرنسي اليوم تجاه لبنان؟
وهل سيُسجل للرئيس ماكرون واقعيته في التعاطي مع الملف اللبناني، وتبريد بعض الرؤس الحامية التي التقاها من القوى السياسية؟ هل تأتي الزيارة بهدف انتشال لبنان من نتائج التداعيات الكارثية لإنفجار مرفأ بيروت أو بهدف إخراج لبنان من أزماته لا سيما الاقتصادية منها؟ هل ستنجح الحكومة التي ستشكل برعاية فرنسية، في تنفيذ بعض البنود الاصلاحية لا سيما تلك المنصوص عليها من قبل “سيدر” لمعالجة المشاكل التي يعاني منها لبنان لمنع المزيد من الإنهيار والإنزلاق نحو الهاوية؟ وحتى لا نصل إلى نقطة اللاعودة حيث لا تنفع المساعدات الدولية بعد وقوع المحظور.
وهل تعتبر هذه المبادرة كافية لإخراج لبنان من أزماته؟
في الواقع تشكل المبادرة الفرنسية الفرصة اليتيمة للقوى السياسية لإعادة قراءة برامجها تجاه الوطن، وهي أي المبادرة لا تكفي لإنقاذ الوضع في لبنان، فالأزمة في لبنان قبل كل شيىء هي أزمة نظام، ونحن بحاجة إلى إعادة النظر بنظامنا السياسي وإلى تطويره، وقد اثبتت التجارب في لبنان وللأسف أننا دائماً بحاجة إلى راعي خارجي لحل أزماتنا، فهل تلتقط القوى السياسية في هذا البلد اللحظة لتعمل على تطوير النظام السياسي الهجين الذي يعتبر حصناً للفساد والمفسدين.
وعليه، للانطلاق بالاصلاح الحقيقي يجب الاعتراف بوضوح أن العلة في هذا النظام الهجين القائم على نقمة الطائفية والذي يشرع التدخلات الخارجية، فلا يمكن الحديث عن دولة كفاءة دولة قادرة قبل الشروع في ورشة إصلاح النظام علنا نصل إلى جمهورية المواطن.