تحدّث نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عن دور قائد قوة القدس الشهيد الحاج قاسم سليماني الى جانب المقاومة، حيث كان واحدًا من الموجودين مباشرة في غرفة العمليات المركزية لتلبية الحاجات الطارئة والملحة ولاعطاء الرأي في بعض الخطط العسكرية التي تواكب مواجهة العدو.
وفي مقابلة مع موقع “العهد” الاخباري، في الذكرى الرابعة عشرة لعدوان تموز/ يوليو 2006 على لبنان، أكّد الشيخ قاسم أن “عملية التجويع التي يتعرض لها لبنان تديرها أمريكا ومعها حلفاؤها من أجل فرض سياسات على لبنان ليست لمصلحته، ومن أجل تحقيق أهداف تحتاجها “اسرائيل” للضغط على لبنان، أي إن استمرار المقاومة مزعج لـ”اسرائيل” ويشكل خطرًا عليها، وتريد أمريكا إنهاء المقاومة”، مشددًا على أنه “لا يوجد أحد في لبنان الا ويعلم تمامًا أن مشكلة الدولار، ومشكلة الاقتصاد في لبنان هي بالدرجة الأولى مسؤولية أميركية بسبب السياسات المتخذة ومنع “الأموال الطازجة” من أن تدخل الى لبنان ومحاولة التدخل في كيفية الاصلاح والادارة والضغط على صندوق النقد الدولي حتى لا يفرج عن القروض والمساعدات بطريقة سهلة”، معتبًراً أن “كلام السفيرة الأميركية مردود عليها، وهو ناشئ عن شعورهم بأن كل دعاياتهم وإعلامهم من أجل تحميل حزب الله المسؤولية فشلت”.
ورد الشيخ قاسم على الادعاءات التي تزعم أخذ حزب الله لبنان رهينة، بالقول: “اذا كان حزب الله يحرص على استقلال لبنان وهناك من لا يريد استقلال لبنان فهذا شرف لنا أننا نساهم في استقلال لبنان، واذا كان حزب الله يريد عدم التبعية للبنان وعدم الالتحاق بالمشروع الاسرائيلي واستطاع أن يقنع أطرافًا آخرين ويتعاون مع أطراف هم مقتنعون أنهم لا يريدون أن يكونوا تحت المظلة الاسرائيلية فهذا شرف للبنان ولا نتنصل منه، واذا كان حزب الله يحافظ على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة ويؤيده كثيرون من القادة السياسيين والشعب اللبناني كي يحمي لبنان من الخطر الاسرائيلي وهم يُشكلون علينا بهذه المعادلة فنحن نفتخر بأنها موجودة ولا نتبرأ منها. فليقولوا لنا ما هو الامر السلبي الذي قام به حزب الله في الواقع اللبناني”.
وفي ما يلي نص المقابلة:
- بعد أربعة عشرة عاماً تعود ذكرى عدوان تموز 2006 وللمرة الأولى بغياب أحد أعمدة دعم المقاومة الحاج قاسم سليماني. كيف تصفون دور الحاج قاسم الى جانب المقاومة خلال الحرب؟
عدوان تموز سنة 2006 هو حرب اسرائيلية حقيقية على لبنان كانت تستهدف سحق المقاومة الاسلامية كما عبروا، لكن الحمد الله كان هناك التجهيز والاستعداد والجهوزية ووجود القيادة الحكيمة المتمثلة بسماحة الأمين العام حفظه الله وكذلك القيادات العسكرية الأساسية الجهادية التي كانت حاضرة كالحاج عماد مغنية والآخرين، والمساندة اليومية التي كانت موجودة من قبل الحاج قاسم سليماني الذي أبى أن يغادر لبنان في عز المعارك وفي أشد الحروب التي كانت على لبنان، وكان في حرب تموز واحدًا من الموجودين مباشرة في غرفة العمليات المركزية لتلبية الحاجات الطارئة والملحة ولاعطاء الرأي في بعض الخطط العسكرية التي تواكب مواجهة العدو لتحقيق الانتصار واسقاط مشروع هذا العدو.
بسبب وجوده في غرفة العمليات كان يقتصر اللقاء على العمل الجهادي. التقينا معه كشورى في ما بعد وكان هناك نقاش في كيفية مساعدة الناس وكيفية استثمار نتائج الحرب التي حصلت والانتصار الذي عمّ لبنان بحمده تعالى. - يتحدث حزب الله عن دور الحاج قاسم في حرب تموز 2006، ماذا عن دوره الى جانب المقاومة في سوريا سيّما في معركة تحرير الجرود حتى 2017 (التحرير الثاني)؟
أصبح معروفًا أن الحاج قاسم سليماني كان هو قائد قوة القدس، تعين في عام 1998 والمقصود بقوة القدس تهيئة جيش العشرين مليون لتحرير القدس، وهذا الجيش مكون من مجموع المقاومين الذين يتواجدون في كل المنطقة، سواء في فلسطين أو لبنان أو العراق أو باكستان أو أفغانستان أو سوريا، وبالتالي كان هو يتابع التجهيز والاستعداد والتدريب على مستوى كل المنطقة. من هنا عندما اندلعت الحروب في سوريا سنة 2011 كان من الطبيعي أن يكون الحاج قاسم هو الذي يتابع هذا الملف بشكل مباشر، أولًا لإنقاذ سوريا من خضم هذه الحرب الكونية عليها، وثانيًا لمواجهة داعش والتيارات التكفيرية، وثالثا لدعم القوات، سواء القوات العراقية أو الأفغانية أو الباكستانية أو الايرانية أو ما شابه لمساندة سوريا وللوقوف أيضا الى جانب قوات حزب الله التي كانت متواجدة في سوريا.
فإذًا هو القائد الحقيقي لكل القوى غير الجيش السوري في داخل سوريا لمواجهة التحديات ولتحقيق الانجاز الذي تحقق بحمد الله تعالى بالقضاء على “داعش” في هذه المنطقة كحضور دولة وكقدرة كبيرة، وأيضا لانقاذ سوريا من الخطر الذي كان عليها واستعادة النظام لأغلب سوريا الى حضن الدولة السورية.
- عندما يُذكَر اسم الشهيد سليماني، ما هو أوّل ما تستحضرونه في الذهن؟
أول ما أستحضر في ذهني عند ذكر الشهد القائد الكبير الحاج قاسم سليماني هو التواضع والارتباط بأهل البيت عليهم السلام، حالة الاندماج بالولاية وأمر القيادة المتمثلة بالامام الخامنئي حفظه الله تعالى، العيش الذي كان يعيشه مع المجاهدين في كل الساحات. وايضا كانت هناك نقطة مهمة في شخصية الشهيد سليماني أنه كان قائدًا عسكريًا مسيسًا، أي أنه كان يمتلك رؤية استراتيجية سياسية اضافة الى الرؤية الاستراتيجية العسكرية، وهذا ما كان يعطي نتيجة مختلفة عن النتيجة العسكرية المباشرة في تقدير الموقف وفي متابعته. الشهيد قاسم سليماني فرض نفسه كشخصية استثنائية وقد ظهر هذا الأمر بشكل واضح من خلال ملايين الناس الذين نزلوا في مختلف المناطق في ايران وغيرها ليؤبنوه في شهادته ما يدل على الأثر الواسع الذي تركه بشخصه وعمله في آن معًا.
- بعد عدوان تموز 2006، واجهت المقاومة الاسلامية أكثر من تحدٍ مفصلي داخلي وخارجي، وخاضت معارك وقدمت شهداء على أكثر من جبهة، كيف استفادت المقاومة من هذه الخبرات لرفع مستوى جهوزيتها؟ المقاومة الاسلامية نمت بشكل تدريجي وطبيعي، واكتسبت خبرات من التجارب التي مرّت بها، سواء في عدوان تموز سنة 1993 أو عدوان نيسان سنة 1996 وحتى معركة التحرير سنة 2000 كانت فيها تجارب مهمة اضافة الى المعركة الفاصلة سنة 2006 ومواجهة التيارات التكفيرية سنة 2017. في كل هذه الحروب لم تكن مقاومة حزب الله مقتصرة على العمل الجهادي وضرب العدو فقط وانما كانت هناك مسؤوليات أخرى لها علاقة بالحالة الاجتماعية للناس، والمهجرين الذين تهجروا من بيوتهم بسبب الحرب، كذلك هناك عملية التعبئة التي تتطلب استقدام عناصر جديدة مجاهدة الى صف المقاومة والاهتمام بالعائلات، عائلات الشهداء والجرحى والأسرى، وايجاد تكاتف اجتماعي له طابع معنوي ومادي في آن معًا، هذه كلها من التجارب التي استفدناها في العمل المقاوم في محطات مختلفة، وبحمد الله تعالى استطعنا أن نوجد حالة جهادية متكاملة على المستوى الاجتماعي والشعبي ما جعل حزب الله يشكل الأمة بدلا أن يشكل الحزب المنفصل عن الأمة.
- يواجه لبنان اليوم مخطط الحصار والتجويع، ما هي أسلحة المقاومة في سيناريو المواجهة الجديد؟ ومن هم أعداؤها فيه؟
عملية التجويع التي تحصل ضد لبنان تديرها أمريكا ومعها حلفاؤها من أجل فرض سياسات على لبنان ليست لمصلحته، ومن أجل تحقيق أهداف تحتاجها “اسرائيل” للضغط على لبنان، أي أن استمرار المقاومة مزعج لـ”اسرائيل” ويشكل خطرًا عليها، وتريد أمريكا انهاء المقاومة. واستمرار اتخاذ مواقف لبنانية لها علاقة بالتضامن مع سوريا والعراق والمنطقة، هذا أمر يزعج أمريكا، لأنهم يريدون لسوريا أن تسقط في الفخ وتغير سياستها. من هنا نحن نعلم أن حجم الهجمة كبير جدًا لكن أخذنا قرارًا بأن نسعى بكل جهد لبناء الدولة والعمل من خلال الحكومة ومؤسسات الدولة لانقاذ الوضع الاقتصادي ما أمكن ومحاولة تقديم مقترحات تساعد على تحسين الأوضاع، منها ما طرحناه مؤخرًا وما قاله سماحة الأمين العام من ضرورة الاتجاه شرقًا حتى ننوع الخيارات، أي لا نبقى تحت رحمة الغرب وهو الذي يقرر ماذا يريد، فعندما يرى أن لنا تواصلا مع الشرق سواء كان هذا الشرق الصين أو روسا أو ايران أو اي بلد غير الغرب يمكن أن يقدم لنا مساعدات أو قروضًا، عندها تخف الضغوطات التي يمارسها الاستكبار العالمي علينا، على الأقل يتحمسون لبعض المساعدة كي لا يفرغ المكان منهم.
نحن نعتبر أن مساعينا من خلال الحكومة، وايضا نشاطنا في الاتجاه الى الشرق كأحد الخيارات، اضافة الى ما نقوم به من تكافل اجتماعي في المناطق التي نستطيع أن نؤثر فيها، كلها من العوامل التي تساعد على تحسين الواقع وهذا أمر يتطلب صبرًا ونفسًا طويلا وباذن الله نتابع في هذا الاتجاه.
- السفيرة الأميركية دوروثي شيا تتهم حزب الله وأمينه العام بتهديد استقرار لبنان وعرقلة التقدم الاقتصادي فيه وتحويل مليارات الدولارات من مالية الدولة لصالح الحزب، كيف تردون على هذا المنطق؟ أن تقلب السفيرة الاميركية شيا الحقائق وتعتبر أن عدوان أمريكا على لبنان اقتصادي واجتماعي هو من قبل حزب الله فهذا ما لا يقنع أحدا ولن يصدقها أحد. وهذا التوتر الذي برز لدى الادارة الأميركية من وزير الخارجية بومبيو الى مساعده شينكر الى السفيرة، عندما تسلطت الاتهامات والادانات بشكل واضح أن أمريكا هي وراء محاولة التجويع ورفع سعر الدولار ومنع العملة الخضراء من الدخول الى لبنان، أرادوا من خلاله الدفاع عن أنفسهم بالهجوم على حزب الله، لكن لا يوجد أحد في لبنان الا ويعلم تمامًا أن مشكلة الدولار، ومشكلة الاقتصاد في لبنان هي بالدرجة الأولى مسؤولية أميركية بسبب السياسات المتخذة ومنع الأموال الطازجة من أن تدخل الى لبنان ومحاولة التدخل في كيفية الاصلاح والادارة والضغط على صندوق النقد الدولي حتى لا يفرج عن القروض والمساعدات بطريقة سهلة. نحن نعتبر أن كلام السفيرة الأميركية مردود عليها، وهو ناشئ عن شعورهم بأن كل دعاياتهم وإعلامهم من أجل تحميل حزب الله المسؤولية فشلت، فهم يعوضون عنها بهذه الطريقة. حتى سمعنا من بعض الاصدقاء أن أحد أسباب بروز السفيرة الاميركية في الرد هي أن أصدقاء أميركا كما تقول لم يتحركوا بشكل صحيح ما اضطر السفيرة الأميركية أن تكون في الواجهة.
- تنشط في الآونة الأخيرة بروباغندا منظمة عبر بعض الاعلام الموجّه لاتهام حزب الله بأخذ لبنان رهينة و”تغيير وجهه”.. بماذا تعلقون؟
من يقول أن حزب الله يأخذ لبنان رهينة الى محل معين أو الى سياسية معينة فليقل لنا الى ماذا يأخذه. اذا كان حزب الله يحرص على استقلال لبنان وهناك من لا يريد استقلال لبنان فهذا شرف لنا أننا نساهم في استقلال لبنان، واذا كان حزب الله يريد عدم التبعية للبنان وعدم الالتحاق بالمشروع الاسرائيلي واستطاع أن يقنع أطرافًا آخرين ويتعاون مع أطراف هم مقتنعون أنهم لا يريدون أن يكونوا تحت المظلة الاسرائيلية فهذا شرف للبنان ولا نتنصل منه، واذا كان حزب الله يحافظ على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة ويؤيده كثيرون من القادة السياسيين والشعب اللبناني كي يحمي لبنان من الخطر الاسرائيلي وهم يُشكلون علينا بهذه المعادلة فنحن نفتخر بأنها موجودة ولا نتبرأ منها. فليقولوا لنا ما هو الامر السلبي الذي قام بها حزب الله في الواقع اللبناني. كل الأمور التي قمنا بها أمور ايجابية. نحن من دعاة بناء الدولة، من دعاة تقوية الحكومة ومساعدتها حتى تنجح، من دعاة حماة لبنان، من دعاة مواجهة “اسرائيل” حتى لا تسيطر على أرضنا، من دعاة الانفتاح على الشرق والغرب من أجل مصلحة لبنان، هل هذه تهم على الحزب؟ أنا أعتبر أنها اشادات وعلامات ايجابية. البعض لا تعجبه هذه الايجابيات للحزب، هذه مشكلته هو فليحلها.
- يتعمّق الانقسام الداخلي أكثر فأكثر، بما يعيدنا في الذاكرة الى قبيل مرحلة حرب تموز 2006، هل يدفع يأس الأعداء من الاستحصال على تنازل داخلي عبر الحصار، الى حرب عدوانية عسكرية جديدة؟ الأجواء لا توحي بحرب اسرائيلية على لبنان، لأن “اسرائيل” منشغلة بالكورونا، وأيضا منشغلة باحتمالات ضم جزء من الضفة الغربية الى الكيان الاسرائيلي وتخشى من ردات فعل الفلسطينيين. كذلك هي مربكة اتجاه القدرة العسكرية المتوفرة لدى المقاومة والتي أنتجت توازنا وردعا خلال كل الفترة السابقة وهي الآن أكثر ردعًا من أي وقت مضى. اذًا، كيف يمكن أن تقدم “اسرائيل” على حرب غير مضمونة النتائج؟ بل هناك صراخ داخل الكيان الاسرائيلي ان الجبهة الداخلية غير مؤهلة حتى تتحمل حربًا، وكذلك، هناك تقرير لمفتش الجيش ان القوات البرية غير مؤهلة لخوض حرب حقيقية، اذًا كلها عوامل اذا ما أضفناها الى جهوزية حزب الله واستمرار استعداده ورفضه لأي ضغط يوقف عملية الجهوزية والتحدي الذي يمكن أن يكون موجودًا، هذه العوامل تؤدي الى استبعاد فكرة الحرب على لبنان. مع ذلك نحن دائمًا نتصرف على قاعدة الاحتمال الأسوأ. جهوزيتنا تبقى عالية واذا حصلت الحرب نواجهها ونحن مطمئنون وواثقون مسبقا بأن النصر للمقاومين لأنهم أصحاب الحق وأصحاب الأرض، ولأنهم أيضا أعدوا العدة اللازمة، وقد وعدنا الله بالنصر “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”. اذًا فكرة الحرب فكرة غير مطروحة الآن وبكل الأحوال جهوزية المقاومة قائمة في كل المحطات بحمد الله تعالى.