احمد الحاج – ليبانون تايمز
يترقب لبنان واللبنانيون بحذر شديد، بدء سريان قانون العقوبات الأميركي المعروف بـ”قانون قيصر”، والمقرر فرضه على سوريا الشهر الجاري.
فالقانون الذي صادق عليه الكونغرس الأميركي، نهاية العام الماضي، ويدخل حيز التنفيذ حزيران/ يونيو الجاري، سيرتب على لبنان أعباء كبيرة وسط أزمة حادة أصلا يعانيها لبنان على كل الصعد.
وترتبط العديد من القطاعات الاقتصادية بسوريا ما يعني خلق تداعيات كبيرة في حال رفض لبنان الإلتزام ببنود القانون.
ويخشى لبنانيون من أن تطال تداعيات القانون مع بدء تطبيقه، على المفاوضات التي تجريها حكومة الرئيس حسان دياب مع صندوق النقد الدولي، لا سيّما وهناك معابر غير شرعيّة مع سوريا وترى واشنطن أنها تصيب “حزب الله” في الصميم.
وصدّق الكونغرس بشقيه، النواب والشيوخ، على القانون في 11 كانون الأول/ديسمبر 2019، بعد ثلاث سنوات من الشد والجذب بين الجمهوريين والديمقراطيين.
ويشمل القانون في مرحلته الأولى يوم 17 حزيران/يونيو، سلسلة عقوبات اقتصادية ضد النظام السوري وحلفائه، والشركات والأفراد المرتبطين به، فيما ستتبعها على مراحل إجراءات عقابية أخرى.
وينسب قانون “حماية المدنيين السوريين” إلى مصور عسكري في الطب الشرعي لقب بـ”القيصر” انشق عن النظام عام 2013، وانضم إلى المعارضة وبحوزته آلاف الصور توثق عمليات قتل واسعة ارتكبتها قوات النظام بحق خصومه خلال الحرب الدائرة في سوريا منذ 2011.
نزار زكا عضو فريق “قيصر”، مدير البرامج لدى المؤسسة الأميركية لتكنولوجيا السلام، يقول إن القانون “يقدّم مهلة 180 يومًا لتقديم أوّل تقرير للكونغرس منذ توقيعه، أي قبل 18 حزيران/ يونيو الجاري، ويشمل أربع مراحل من العقوبات حتى أغسطس (آب) المقبل”.
وأوضح زكا في حديثه للأناضول، “أن ذلك القانون يشمل الأشخاص والمؤسّسات التي تعاونت مع النظام السوري في شتّى المجالات”.
ويقول: “في المرحلة الأولى لن يتطرّق القانون إلى الملفات التي سبقت تاريخ إصداره رسميًا (ديسمبر 2019)، إنّما سيعاقب الأفراد والمؤسّسات التي تعاونت مع النظام بعد هذا التاريخ، وفي حال لزم الأمر سيُعاد البحث في الملفات السابقة”.
ويشدّد زكا على أنّه “يُسّوق للقانون على أنّه عقوبات على لبنان لكنّه غير ذلك”، لافتًا إلى أنّه “يصب في مصلحة لبنان خصوصًا لناحية توقيف التهريب غير الشرعي للنظام السوري عبر المعابر التي يسيطر عليها حزب الله”.
ويتابع: “هذا القانون أتى لوضع العصي في الدواليب لمن ينوي من اللبنانيين الذهاب إلى سوريا لإعادة الإعمار هناك”.
ويرى أنّ “مصلحة لبنان الانفتاح نحو الغرب لأنّ ليست وظيفة البلاد الدخول في المحاور الضيّقة”، مؤكّدًا “أنّ هذا القانون هو فرصة للتحرّر”.
وعن الفرق بين العقوبات السابقة وقانون قيصر، يجيب: “القوانين السابقة كانت تستهدف نقاط محدّدة، أمّا القانون الحالي يغطي جميع النوافذ المتعلّقة بالنظام السوري”.
وحول طرح اسم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، حليف “حزب الله” على لائحة العقوبات، يوضح زكا: “نحن لا نلتفت إلى الأسماء بقدر ما يهمنا غاية هذا القانون”.
ويؤكّد أنّ “هذا القانون لن يميّز أي فرد عن الآخر وحتى الإدارة الأميركيّة لا تملك صلاحيّة عليه إنّما الكونغرس ووزارة الخزانة مباشرةً”.
وحول تأثير قانون قيصر على المفاوضات مع صندوق النقد، يردّ: “الولايات المتحدة تمثّل 17 بالمئة من صندوق النقد، وهي قادرة على التأثير، والأهم من ذلك أنّ شروط الصندوق وقانون قيصر يعملان لمصلحة الاقتصاد اللبناني”.
ويجري لبنان حاليا مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة مساعدات، وتعول الحكومة على هذا القرض، الذي باستطاعته انتشال البلد من أزمة اقتصادية هي الأسوأ بتاريخه.
وفي هذا الشأن، يرى مصدر مقرّب من باسيل أنّه “على الدولة اللبنانيّة الموازنة بين مفاوضاتها الضروريّة مع صندوق النقد الدولي، وبين ضرورة النظر إلى سوريا من باب المصالح المشتركة وخصوصًا الاقتصادية منها لأنّها رئتنا إلى العالم العربي”.
وبالنسبة للعقوبات على باسيل، يفيد المصدر: “أحدًا لم يتحدث معنا في هذا الموضوع، والوزير لم يرتكب أي جرم لكي يعاقب، وعلاقته بحزب الله ليست جريمة بل هي علاقة مع مكوّن أساسي من الحياة العامّة اللبنانية”.
وفي سياق غير بعيد، أشار زكا إلى أن “القانون سيعمل على الكشف عن مصير 628 لبنانيًا في السجون السورية، لأنّ القانون يضع على لائحة العقوبات كلّ من له علاقة بقتل السجناء أو تعذيبهم مع حقّ الأهل في معرفة مصيرهم”.
من جهته، يكشف مصدر مقرّب من رئيس الجمهوريّة، أنّ “لبنان لم يُبلّغ بعد رسميًّا بمضمون القانون، وكلّ ما يجري الحديث عنه هو فقط في الإعلام، كما أنّ نص القانون غير واضح حتى الساعة”.
ويتابع المصدر: “على ضوء ما سيترتب عن هذا القانون سيكون هناك موقف”.
وينفى المصدر أن يكون لقانون قيصر تداعيات على المفاوضات القائمة مع صندوق النقد، قائلًا: “كلّ واحد مفصول عن الآخر”.
وعن مدى قانونيّة هذه العقوبات، يوضح الخبير القانوني الدولي، علي زبيب، أنّ “قانون قيصر هو قانون ساري المفعول وما يُميّزه عن غيره أنّه أدخل إلى ميزانيّة الدفاع الوطني في الولايات المتحدة لعام 2020”.
“وبالتالي لا يمكن التذرّع بعدم إمكانيّة واشنطن تنفيذه لأنّه خصّص له موازنة”، وفق الخبير القانوني في تصريحه للأناضول.
ويضيف زبيب: “لا يمكن الطعن به (القانون) نهائيًا، لأنّه نافذ والولايات المتحدة لا تفرض قوانينها إلا من خلال مؤسّستها حيث تمنع (المؤسّسات) من التعامل مع الذين لا يطبقوها”.
ومع كل ما يعيشه لبنان من أزمات إلا أن “قانون قيصر” سيزيد الطينة بلة ويزيد التشاؤم بمستقبل البلد الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة.