أكّد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، “أنّنا ومن صلب انتمائنا لله، لن نقبل بظلم أو فساد أو اضطهاد أو استئثار، ونرفض رفضًا قاطعًا القبول بصيغة حكم فاسدة أو تسويات ظالمة، أو مشاريع حكم تصرّ على الطائفيّة والانتهازيّة السياسيّة وأشباهها. ونؤكّد أنّ أصل نشأة لبنان تمّ على أساس طائفي واستبدادي، بوظيفة خدمة المشروع الاستعماري والاحتكاري، وهذه الصيغة قد انتهت، وما قام به بشارة الخوري ورياض الصلح لم يعد يصلح لدولة إنسان ومواطن، بل أيضًا مرحلة وانتهت”.
وشدّد الشيخ قبلان، في رسالة وجّهها إلى اللبنانيّين عمومًا والمسلمين خصوصًا، هنأهّم فيها بمناسبة عيد الفطر السعيد،اليوم الاحد، على “أنّنا نُصرّ وبكلّ صرخة مدويّة، أنّنا ولحماية البلد وكسر الوثنيّة السياسيّة ولإنقاذ لبنان، وتأكيد العيش المشترك والسلم الأهلي فيه، مطالبون بإسقاط الصيغة الطائفيّة لصالح دولة مواطن، دولة لا طائفيّة، دولة إنسان، دولة بقانون يلحظ المواطن بّما هو مواطن إلّا ما خصّ شؤونه الشخصيّة، فكفانا ترقيعًا بهذا البلد، لأنّ البلد سقط، سقط لأنّ دستوره فاسد وآليّة الحكم فيه فاسدة وطائفيّته فاسدة ومشروعه السياسي فاسد وتسوياته المختلفة فاسدة”.
ولفت الشيخ قبلان، إلى “أنّنا نريد شعب لبنان أوّلًا، نريد المسيحي والمسلم، نريد سلطة فوق المذهبيّة، لا نريد البلد “حصص”، والسياسة “حصص”، الإدارة “حصص”، الوزارات “حصص”، النيابة “حصص”، الرئاسات “حصص”، التوظيف “حصص”، الصفقات “حصص”، الموازنة “حصص”، المجالس “حصص”، المؤسّسات العامّة “حصص”، التنفيعات “حصص”، والهيئات الناظمة “حصص”، كلّ شيء في هذا البلد أصبح “حصص”؛ وبطريقة انتهت بالبلد ممزقًا مفلسًا منهوبًا، معروضاً للبيع بأبخس الأثمان”. وركّز على أنّه “كفانا قتلًا للناس، كفانا تذويبًا للشعب، كفانا احتكارًا للدولة ومؤسّساتها، كفانا استهتارًا بناسنا وأهلنا وبلدنا، كفانا تمزيقًا للطوائف، كفانا ضخًّا للحقد بخلفيّة مذهبيّة وطائفيّة، كفانا تمسّكًا بنظام سياسي بائد، كفانا نظامًا سياسيًّا أفلس البلد وذبَح آمالنا وحوّلنا “عبيد” نباع ونشرى في سوق الأمم”.
وركّز على أنّ “بالفم الملآن أقول: لا للطائف، لا لمزرعة الطوائف، لا لدولة الحصص، لا لنظام المحاصصة، لا لدولة تجويع المواطن والاستئثار بثرواته، لا لفدراليّات الطوائف والمتاريس، نعم لدولة القانون بما هو قانون، والمواطن بما هو مواطن، نعم للدولة كمؤسّسة عادلة وقويّة بعيدًا عن عقليّة ونزعة من يَحكم، نعم لصيغة حُكم بعيدًا عن الطائفيّة السياسيّة والمزارع الاحتكاريّة. لم نعد بحاجة إلى فترة انتقالية، كفانا فترات انتقاليّة وهميّة، اسألوا الشعب عن رأيه، حرّروا الناس من قيودكم، الجميع يريد دولة شعب، لا شعب دولة، الجميع يريد نظامًا سياسيًّا لا ظلم فيه ولا فساد ولا حصص ولا إقطاعيّات”.
وأشار إلى أنّ “البلد الآن في القعر، البلد الآن بعد تجربة مئة سنة وبالأخصّ تجربة التسعينيّات وصاعدًا انتهى، وتحوّل إلى شركة مفلسة ودولة منهوبة، وشعب محتكَر من قوى المال والأعمال والسياسة، أسواقه محتكَرة، ثرواته محتكَرة، بضائعه محتكَرة، استيراده محتكَر، دولاره محتكَر، سياساته الماليّة والنقديّة محتكَرة، إعلامه محتكَر، شعبه محتكَر، دواؤه محتكَر، هيئاته الناظمة ومجالسه محتكَرة، تلزيماته محتكَرة، كلّ شيء في هذا البلد محتكَر وبشكل شامل، فشركات ومؤسّسات وأقنعة وامتيازات جماعة المال والسلطة تحتَكر كلّ شيء، ورغم الكارثة المدوّية هناك من يصرّ على حماية امتيازاته الطائفيّة وزعامته الإقطاعيّة”.
وتوجّه قبلان إلى اللبنانيّين، قائلًا: “يا شعب لبنان، يا ناس هذا البلد، يا أهلنا الكرام، نريد العيش معًا في بلد لا طائفي، بمشروع سياسي يحمي الجميع، نريد عدالة سياسيّة اجتماعيّة لا تفرّق بيننا، فزمن الوصاية السياسيّة وقوانين الانتخابات المفصّلة بالإقطاع يجب أن ينتهي. يجب أن ينتهي زمن التوظيف على الانتماءات الطائفيّة والسياسيّة، يجب أن ينتهي زمن إقطاعيّة السلطة ومزارع الحكومات، يجب أن نتكاتف معًا، فلا يجوز أن نخاف من بعضنا البعض، لأنّ تجربة العقود السابقة أكّدت أنّ الشعب ممزَّق ويعيش ظاهرة حقد تحريضيّة، فيما نادي القوى السياسيّة الّذي يتحكّم بالبلد يتقاسمه”.
وأوضح أنّ “في يوم الله، نؤكّد وبثقافتنا الدينيّة والإنسانيّة والوطنيّة أنّنا خلق الله ورعيّته، ونريد العيش معًا، معًا كإخوة بعيدًا عن الملّة والطائفة والانتماء الفكري، معًا لأنّنا أبناء أب واحد، معًا لأنّ هذا البلد ليس ملكًا لأحد، بل لناسه وأجياله وشعبه، وليس مسموحًا لأحد أن يختصر ناسنا وشعبنا وآمالنا وعذاباتنا ومشروعنا بشخصه أو بصيغته الطائفيّة والسياسيّة الخاصّة”. وأكمّد أنّه “يجب أن ننتفض بالسياسة، وأن نتلاقى معًا لإنقاذ بلدنا وتطوير مؤسّساته السياسيّة والأخلاقيّة والوطنيّة، وإلّا فإنّنا أمام كارثة هائلة، وقصّة غالب ومغلوب وفقير وغني ومالِك ومملوك ومحتكِر ومحتكَر؛ ستحوّل البلد إلى نفق لا مخرج منه أبدًا. ومعه سينتهي لبنان كمشروع دولة ووطن وضمانة إنسان”.
كما ذكر أنّ “حاليًّا، ليس مقبولًا ما يجري، لأنّ الجوع شامل والإفقار والنهب يجري في العلن، واحتكار الأسواق أسوأ من حرب عالميّة واللعب بسعر الصرف أخطر من خيانة عظمى، أمّا إصرار جماعة المصارف وكبار التجّار ورجال الأعمال والمال على المواجهة بخلفيّة تهديد البلد وكشفه واستنزافه لهو أمر خطير جدًّا جدًّا، ويجب أن لا يمرّ دون محاسبة. أمّا جماعة الثأر السياسي والمسؤولين عن ملفات البلد السابقة، فيتعاملون مع الحكومة الحاليّة من باب إسقاطها بكلّ الوسائل حتّى لو كانت مشبوهة. ولذلك، نريد سياسة إنقاذيّة، لكن ليس على حساب الناس أو على طريقة قرارات غير شعبيّة للضرورة، لأنّ المسؤول عن إدارة ملفات الناس وشركاءه وسماسرته وحلفاءه هم مَن نهب البلد وأفلس الدولة وحوّل السلطة إلى خشبة أكلتها الأرضة”.
وشدّد قبلان، على أنّه “لأنّ الناس نُهبت، نُهبت أموالها، وثرواتها، ومرافقها، وبلادها، ومؤسّساتها ومشروعها السياسي، فالمطلوب محاسبة من نَهب وصادر واستغل السلطة، لاستعادة المال العام بأشكاله وأقنعته وسواتره كافّة”، مبيّنًا أنّ “تداركًا للأزمة غير المسبوقة، المفروض بالحكومة الاندفاع نحو خطوط الاستيراد، وتدشين ورش إنقاذيّة وحماية الأسواق واليد العاملة اللبنانية، وفتح خطّ رسمي مباشر مع دمشق بخصوص النازحين وعدم الإصغاء للمجتمع الدولي الكاذب، لأنّ هذا المجتمع الدولي قد ابتزّنا سابقًا والآن وغدًا، وما زال يتفرّج علينا ويزيد من أعبائنا، ويمارس سياسات عقابية صريحة مقنّعة، ويصرّ على تحويل النزوح إلى كارثة خدميّة وماليّة واقتصاديّة وديمغرافيّة وسياسيّة، وهذا يجب أن ينتهي؛ وكذلك قصة الضرورات انتهت لأنّ البلد أصلًا هو في القعر”.
وأعلن أنّ “المطلوب من الحكومة الانفتاح الكامل على كلّ الدول، وخاصّة على أسواق الشرق، كطريق إنقاذ رئيسي، بشرط الإصلاح السياسي والجمركي والرقابي والاجتماعي بعيدًا عن لوبيّ هنا أو هناك”. أمّا بخصوص “صندوق النقد الدولي”، فكرّر أنّ “صندوق النقد الدولي” ليس جمعيّة خيريّة ولا مشروع عواطف، كما ليس مفصولًا عن السياسة، ولبنان بلد له وظيفته السياسيّة ومشروعه الوطني والأخلاقي، وأيّ لعب بالأولويات يعني كارثة، ولا نريد 17 أيار جديد، ما يعني أنّ الإصلاح يبدأ من أولويّات الداخل، وخيارات الدولة الداخليّة الإنقاذيّة، سيّما باتجاه أسواق الشرق”.
إلى ذلك، نوّه الشيخ قبلان، إلى أنّه “على المستوى الإقليمي الدولي، كما الداخلي، نحن مع الحق، مع المظلوم ضدّ الظالم، مع تحرير القدس المحتلة، ولن نقبل لفلسطين والقدس بمزيد من الاحتلال والصفقات، وخاصّة بعد النجاحات الّتي حقّقها محور المقاومة”. وأفاد بأنّ “عليه، المطلوب من الدول الإسلامية والعربية، العودة إلى الله والخروج من وثن التبعيات الفاسدة، والانتصار لحاجات منطقتنا وشعوبنا وناسنا وأخلاقيّاتنا، بعيدًا عن مصالح القوى الكبرى وهيمنتها. هذا لمن أراد الله، وأراد أن يتعظّ من تجارب الأمس واليوم، ولمن يعتقد أنّ له موقفًا فاصلًا أمام الله”.