محمد ماجد – خاص
لا يخفى على أحد، ان لبنان يعاني أزمة سياسية لا تقل خطورة عن أزمته الإقتصادية، فبعد مئة سنة على اعلان دولة لبنان الكبير، لم يجد من تولى أمور الشعب من السياسيين، صيغة أو عقد اجتماعي لبناء نظام سياسي ومؤسسات، تجسد مفهوم المواطنة وتؤمن الحقوق الأساسية للمواطن اللبناني.
وكل ما كان يتم التوصل اليه هو تسويات تشكل نوع من الهدنة، تؤجل الإنفجار السياسي والإقتصادي والإجتماعي، من صيغة 1943، الى تسوية أزمة 1958، وصولا الى الوثيقة الدستورية في 1976. أما اتفاق الطائف 1989، فهو الهدنة التي انهت الحرب الإهلية التي اندلعت في العام 1975، وأوجد مفهوم التوافق او الديموقراطية التوافقية، لكن على الطريقة اللبنانية والتي هي عمليا ومن دون أي مواربة تعني التعطيل او الفيتو المقنع لكل طائفة .
قيل الكثير عن اتفاق الطائف، وبأنه من الظلم القول بأنه لم يعد مناسبا، وهذا صحيح، لكن من يقول هذا الكلام، لا يطلقه من منطلق وطني انما من منطلق المصلحة الشخصية ( الطائفية ) للحفاظ على مكاسبه بما طبق من هذا الإتفاق، وهو مؤمن بأن أي مناقشة في اتفاق الطائف او تطبيقه بشكل كامل يشكل تهديدا لهذه المكاسب.
لم يوضع حتى اليوم قانون للإنتخابات يؤمن التمثيل الصحيح، ولم يصدر قانون اللامركزية، ولم ينفذ الإنماء المتوازن، ولم يتم اتخاذ اي خطوة نحو الغاء الطائفية السياسية التي يجمع بالقول، أولياء أمور الشعب، بأنها المرض الخبيث الذي يعاني منه لبنان. أما فعليا وعمليا فهم أساتذة في ممارستها .
أما مجلس الشيوخ، فهذا موضوع آخر، فعندما يتم الحديث عنه، فليس من منطلق ايجاد مؤسسة تساهم في العمل التشريعي الى جانب مجلس النواب، وتراقب عمل السلطة التنفيذية، وانما منطلق المحاصصة الطائفية. فمن قال وحسم بأن مجلس الشيوخ يجب ان يمثل حصرا الطوائف اللبنانية، لماذا لا يمثل المناطق او الهيئات التى تنظم العاملين بالزراعة والصناعة والتجارة والتعليم والمهن الحرة وغيرها من الأعمال التى تقوم عليها مصالح البلاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ؟
لقد قالها رئيس مجلس النواب نبيه بري: كفى دورانا حول الحقيقة فالمجلس النيابي لم يستطع القيام بدوره الرقابي بسبب النظام الطائفي. ففي لبنان لا تسقط الحكومة بسبب سحب الثقة منها في مجلس النواب لعدم تطبيق برنامجها، او مخالفتها القانون والدستور، تسقط فقط اذا استقال رئيسها، بإرادته اذا ما شاء .
اما استقالة الحكومة نتيجة استقالة أكثر من ثلث أعضائها فهذه قصة أخرى، عنوانها الثلث المعطل، وهي من نتائج اتفاق الطائف. ولا يجب ان تحصل في النظام البرلماني الذي يقوم أصلا على مفهوم الأكثرية والأقلية، لكن نحن في لبنان، فقد قرر فيه أهل الحل والعقد انه مفهوم غير قابل للتطبيق عندنا، لماذا لأننا بلد طوائف؟ من أفتى بذلك، ألا يجب ان يكون ابناء الشعب مواطنين متساويين في الحقوق والواجبات؟
حسب اتفاق الطائف، السلطة التنفيذية مناطة بمجلس الوزراء؟ فأين رئيس الجمهورية وهل هو جزء من السلطة التنفيذية واذا كان لا فلماذا لديه صلاحيات مؤثرة على عمل الحكومة؟
هناك صعوبة كبيرة في تشكيل حكومة في لبنان بطريقة سلسة وسهلة. فلا يوجد أي حزب او تكتل سياسي (على الرغم من ظهور تحالفي 8 و 14 آذار) قادر على الفوز بمقاعد كافية لتشكيل حكومة تستند إلى ائتلاف، نتيجة التركيبة السياسية اللبنانية .
ففي ائتلافي 8 و14 آذار، تحالفات حزبية مصلحية، وكل حزب او جهة سياسية يخوض الإنتخابات حسب برنامج انتخابي خاص به. وهذا يتنافى مع مفهوم الإئتلافات النيابية، فلا يتمكن أي فريق من تشكيل ائتلاف بسرعة وبدون لغط أو تأخير أو مشاكل .
هذا عدا عن ان لبنان يعاني من شرذمة حزبية. فهل لبنان بحاجة لهذا العدد الكبير من الأحزاب، وهل هذه ديموقراطية وحرية رأي وتعبير ؟؟
وأصبح على رئيس الوزراء المكلف أن يتحاور مع أحزاب صغيرة الحجم فائزة بمقاعد قليلة، وهذه الأحزاب الصغيرة تنتهز الفرصة لفرض شروطها التي تتمحور حول مصالح حزبية تتعلق بعدد الوزراء وأعداد الموظفين الذين يمكن أن يلتحقوا بالسلك الحكومي وما شابه ذلك.
كما يجب على رئيس الوزراء المكلف أن يشقى وهو يوفق بين مطالب شركائه في الائتلاف والتي كانت تتضارب في كثير من الأحيان.
وكثرة الأحزاب في الحكومة في النظم البرلمانية، تسهل عملية سحب الثقة من الحكومة إن قرر حزب أن ينسحب لسبب أو لآخر. لكن في لبنان الوضع مختلف طبعا .
وقد أدى هذا الوضع إلى تطور أمرين هامين ما زال تأثيرهما السلبي يلقي بثقله على الدولة وهما: التشرذم السياسي والفساد المالي والإداري.
ويبقى السؤال، الم يحن الوقت لاعادة النظر بالممارسات القائمة؟ ألم يحن الوقت للبحث في اجراء اصلاح او تعديل في النظام القائم والعمل بل لقيام نظام سياسي ودستوري حقيقي بموجب اتفاق وعقد وتفاهم تام بعيدا عن التسويات ؟