خلود شحادة – ليبانون تايمز
قديش الدولار اليوم؟ هي العبارة الأكثر استخداماً من اللبناني بعد عبارة “كهرباء أو موتير؟”.
أزمة الدولار تتفاقم يوماً بعد يوم، الجوع والفقر طرق أبواب ما يزيد عن 70% من اللبنانيين. فانطلقت الحكومة لوضع خطة اقتصادية تتضمّن اقتراح “تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار” فتم تأجيله للدراسة. لكن تلك العبارات الاقتصادية المعقدة، وتفاصيل الهندسات المالية التي أفقرت اللبناني، لا تعنيه. جلّ ما يعنيه اجابة على تساؤلاته “الى متى ستستمر هذه الأزمة وما هو الحل المفترض؟”.
ثلاثة أسعار صرف للدولار في السوق اللبناني، من ضمنها تلك الخدعة الجميلة التي صدّقها اللبناني وهي سعر الصرف المثبت في المصرف المركزي البالغ 1515، والتي يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جزيني أنه “كان لها الأثر السلبي الكبير على الاقتصاد اللبناني بتحويله لاقتصاد استهلاكي، معتمداً على الاستيراد”.
و في حديث خاص لموقع ليبانون تايمز، أوضح الدكتور جزيني ذلك قائلاً أن “كلفة البضائع في الصين أرخص، وبحكم أن الدولار مدعوم من الدولة، يلجأ التجار للاستيراد بدل الانتاج. مع الإشارة الى أن كل دولار يدفعه اللبناني ثمن المستورد، يدفع مصرف لبنان دولارا آخر كفرق لسعر الصرف المثبت”. وأكد أن ضعف الانتاج المحلي، أدى الى تدهور الاقتصاد اللبناني بشكل كبير، فوصلنا الى ما نحن عليه.
أما عن اقتراح تعويم سعر الصرف، فقد شدد الدكتور جزيني على خطورته، مشيراً الى أنه ليس هنالك أي دولة في العالم تستطيع أن تنتقل من سعر صرف ثابت، اقتصاد غير منتج، وعجز كبير في ميزان المدفوعات، الى سعر صرف محرر.
وأوضح جزيني، أن السوق في لبنان صغير، خاصة في ظل “الكابيتال كونترول” التي تعيق ضخ دولار جديد في السوق، وبالتالي سيسمح هذا القرار لبعض الرأسماليين باللعب بالدولار، وتغيير سعره حسب مصالحهم، مما يؤدي الى انتحار جماعي لكل الطبقات، وليس فقط الطبقة الفقيرة، مشيراً الى أنه يستحيل اتخاذ قرار تعويم الصرف بدون دراسات اجتماعية واقتصادية ودراسة ارتدادته على لبنان”، معتبراً أن هذا القرار يضر أصلاً بالخطة الاقتصادية.
وأضاف: “واضعو الخطة يعتبرون أنه مع تعويم سعر الصرف أكثر، ينخفض الدين بالليرة. لكن من جهة أخرى، يجب الالتفات الى أن الدين بالدولار سيرتفع. كما أنه لا يمكن وقف الاستيراد. اذا لا يمكن المضي بهذا القرار”.
ولفت الى أن هناك العديد من الموظفين الذين سبق واقترضوا من المصارف بالدولار الأميركي، وبالتالي تعويم سعر الصرف يعني أن تقبض المصارف مستحقاتها بالدولار الأميركي، متسائلاً كيف يمكن لموظف الدولة الذي يتقاضى مليون ليرة شهرياً، أن يدفع فاتورة مصرفية قيمتها 300 دولار أميركي أي ما يعادل راتبه كاملاً اذا كان الدولار على حساب 3600 ل ل فقط؟
وجدد الدكتور جزيني الدعوة لوضع سياسة اقتصادية مرنة لسعر الصرف، أي دعم جزء من الليرة اللبنانية، والجزء الآخر يبقى حسب سعر السوق. لأنه لا يمكن دعم كل القطاعات، مشيراً الى أن القمح تكلفته في لبنان أعلى من استيراده من الأردن، ولكن الأفضل اقتصادياً أن تدعم الدولة البضاعة اللبنانية، لتدفع الفرق بين تكلفتها والتكلفة الأجنبية بالليرة اللبنانية وليس الدولار.
ولشرح الفكرة، على سبيل المثال “هناك صنف زراعي نستورده بألفي ليرة لبنانية من دولة مجاورة، وفي لبنان يكلف 2500 كزراعة محلية. السياسة الاقتصادية المرنة تقول أنه يجب دفع 500 ل.ل للمزارع، ليبيعها بسعر السوق وهو 2000 ل.ل، أفضل وأوفر على الدولة، من أن يشتري التاجر الكيلو المستورد بدولار، على أن تدفع الدولة فارق سعر الدولار، ليباع بألفين في السوق.
الظلام الذي اعتدنا عليه، يحجب عنّا رؤية الغد. أو ربّما نحن من نغمض أعيننا خوفاً من المجهول القادم. لكن الأكيد أننا نعيش واقعاً قد أنهك الجميع دون استثناء أو رحمة، بعد أن انخفضت القدرة الشرائية للمواطن، حتى وصلت به الأمور، الى اعتبار العديد من أصناف المواد الغذائية من الكماليات!