بتول فواز- خاص ليبانون تايمز
يشهد السوق والإقتصاد اللبناني حالة إضطراب إستثنائية، فإن عملية إستثمار الأموال أو الإحتفاظ بها أو طريقة إستغلالها أصبحت الشغل الشاغل للعديد من المواطنين الذين يملكون فائضاً من الأموال المُحتجزة في المصارف أو من السيولة، ويرغبون بالحفاظ على قيمتها.
البعض لجأ إلى خيار “إدخار الذهب” بإعتباره الأكثر أماناً، جزء فضّل إكتناز “الدولارات” في منزله، والبعض الآخر إعتبر أن “شراء العقارات” هو الخيار الأمثل.
في هذا الصدد، أكد الخبير المالي- الاقتصادي الدكتور محمد جزيني في حديث خاص لموقع ليبانون تايمز، أن أي نوع من الإستثمارات يعكس الشخصية الإستثمارية للمواطن، مضيفاً: المتعارف عن الذهب أنه الحافظ الأكبر لقيمة الأموال، وملجأ للضمان والإستقرار، فشراء الذهب يتأثر بعواملٍ عدة (الفئات العمرية بحيث أن الفئة الأكبر سناً هي الأكثر إدخاراً للذهب/ الجنس/ حجم الأموال/ الثروة/ الحالة الإجتماعية) فالذي يعتمد خيار الذهب، غالباً ما يُفتش عن الإستقرار والضمانة، رغم إرتفاع سعره وتسجليه مستوى غير مسبوق منذ أيلول 2011.
وقال: المُستثمرون الأكثر مغامرة يلجؤون إلى تداول الدولار خاصةً في ظل التقلبات العالية في أسعار صرفه، رغم أنها مخاطرة لا تُحقق الأرباح المرجوة، مشدداً على أن شراء المُواطن للدولار يساهم في حفاظه على قوة القدرة الشرائية، بالمقابل هو مُسبب أساس في الرفع الوهمي للطلب على الدولار، مما يؤدي إلى إرتفاع سعر صرفه لو بشكل محدود، وهذا ما يؤثر بشكل سلبي ومباشر على الإقتصاد الوطني، والإستقرار الإقتصادي والأمني والإجتماعي.
ولفت جزيني إلى أن التخلي عن الإقتصاد الريعي يفرض تحولاً في المفاهيم الإستثمارية ولا سيما العقارية منها، فالمضاربة العقارية كانت مدماكاً أساسياً في الإقتصاد المبني على الريع، أما التوجه نحو الإنتاج لا بد أن يُخفض الطلب على العقارات بسبب خفض سياسات الإسكان الحكومية والتوجه لإستعمال الأراضي زراعياً، وهذا سيؤدي إلى إنخفاض أسعار العقارات، ولو أن عمليات السوق اليوم تعكس صفقات عقارية مربحة ومحدودة بالدائنين أو بحاملي الديون العقارية على المصارف اللبنانية ومصرف الإسكان، إذ يتم شطب الدين وفوائده مقابل 50% من القيمة الإسمية، ومن ناحية أخرى يقوم بعض المودعين بتحرير وهمي لأموالهم عبر شراء عقارات بسعر منخفض بواسطة شيكات مصرفية.
وأشار إلى أن بقاء هذه الخيارات الثلاث هو نتاج ثقافة الريع المُتجذرة في الوعي اللبناني، فقليل من المواطنين حاول الحفاظ على قيمة ثرواته وأمواله عبر سلوك إستثماري وليس إدخاري، كالإستثمار الزراعي بشكل أساس، متابعاً: مشاركة مزارع بجزء من مدخراتنا تحفظ قيمة هذه المُدخرات بشكل أفضل على المستوى الفردي وعلى مستوى الإقتصاد الكُلي، ومن هنا تكمن ضرورة التوجه نحو شكل جديد من التعاونيات الزراعية التي تستطيع إستقطاب الإستثمارات أو مدخرات الأفراد لتمويل المشاريع الزراعية وإحتياجاتها.
وختم حديثه بالقول: بالتأكيد أن الجو الإستثماري العام فيه مخاطرة عالية، ولا تسمح للمواطن الظروف غير المستقرة، بالبدء بمشاريع إستثمارية ضخمة كبناء المصانع مثلاً، وذلك حتى يتبين لنا ما ستؤول إليه الأمور على المدى المتوسط.
التوجه نحو الخيارات التقليدية كالذهب والدولار والعقارات لم يعُد متناسقاً ومتوائمًا مع التحول الإقتصادي الذي يشهده البلد، ولا بد من تطوير ثقافة المواطن الإستثمارية والإنتاجية بما يتناسب مع متطلبات وحاجات النموذج الإقتصادي المُقبل.