د. مجتبى مرتضى- ليبانون تايمز
فجأة، ولكن مع سابق إنذار، ترنحت- حدّ السقوط- منظومة السلطة القابضة على زمام الحكم في لبنان في مرحلتيه: مرحلة ما قبل ٢٠٠٥ ومرحلة ما بعدها. بات الكل الآن يتبرأ بل ويتنكر لكامل المرحلة السابقة بطريقة أقرب للأفلام الكوميدية الهزلية منها للجدية التي يجب أن يتسم بها رجال الدولة وسياسيوها. حالة الإنكار ناجمة عن فشل السياسات الحكومية لحكومات ما بعد الطائف، هذه القضية واضحة جلية أمام الناس جميعاً. لا داعي إذاً، لكل هذه العراضات البهلوانية، الأجدى هو التزام الصمت واحترام ذكاء اللبنانيين، ذلك الذي ما طفقت الدولة تتباهى به أمام العالم.
المنظومة، بل الأصح المنظمومات الحاكمة، جعلت الدولة عاجزة عن القيام بواجباتها وتحمل مسؤولياتها وأجبرتها على أن تتجه صاغرة إلى المجتمع الدولي لطلب النصح أو المشورة دون التجرؤ على طلب المزيد من القروض كي لا تواجه بحقيقة عدم أهليتها في إدارة هذه الأموال.
يقودنا البحث عن الأسباب في فشل السلطة إلى احتمالين كبيرين لا ثالث لهما: إما أنها كانت تعلم مآل الأمور واستمرت في سياساتها العبثية للوصول إلى ما نحن فيه وهنا نكون أمام “سلطة” خائنة لشعبها، وهذا بالطبع ما لا يمكن أن يتصوره عقل ولا يقبله منطق.
وإما أنها اتسمت بالرعونة وعدم الجدّية في قيادة الدولة، وسقطت في فخ تقاسم المغانم والمهاترات وتسجيل النقاط وخضعت لمجموعة كبيرة من المؤثرات الخارجية والداخلية، واعتمدت سياسة حافة الهاوية دون أن تتصور وصول الحال إلى ما وصل اليه، ظناً منها بأنها قادرة على الخروج من المآزق في الوقت المناسب اعتماداً على المساعدات الدولية والدعم العربي الخليجي.
المنطق الوطني يجبرنا على الاعتداد بالسبب الثاني، وهو بالطبع لا يقل خطورة عن الأول، إلا أنه يعفي السلطة من تهمة “العمالة” ، ولكنها تبقى متهمة بالتقصير والإهمال وإساءة الأمانة. وهي تهم فيما لو خضع المسببون لها للمحاكمة لكانت عقوبتهم في حدها الأدنى النفي إلى “جزيرة الأرانب”…
ولكن أنّى لهم أن يحاسَبوا ودماء الوطن تفرقت بين الطوائف.
الطوائف هذه، هي السواتر التي يتمترس خلفها أهل الحكم للتفلت من العقاب. هنا العقدة إذاً، وهنا مربط الحل. الديمقراطية التوافقية عززت الطائفية ومنعت المحاسبة، وبالتالي أصبحت عالة على الدولة ومؤسساتها. المعارضة البناءة قد تسهم في تصحيح الخلل القائم في السلطة. هذه المعارضة لها أصولها وأدواتها. المعارضة ليست ترفاً ولا ردة فعل ولا وسيلةً لشدّ العصب الطائفي، لأنها بذلك تفقد معناها ومقاصدها. المعارضة التي يحتاجها لبنان في ظرفه الحالي، هي المعارضة الواقعية المسؤولة، تقودها “الأقلية” النيابية بوجه أغلبية يفترض بها السعي الدائم للحفاظ على وجودها بالسلطة، ولكنها مع وجود المعارضة الفاعلة ستسعى إلى العمل الدؤوب والمنتج لسدّ الذرائع حماية لنفسها من السقوط أمام المعارضة.
قد لا تكون شروط اللعبة السياسية القائمة على موالاة-معارضة وفق الصيغة المتعارف عليها في ديمقراطيات العالم متوافرة. لذلك يجب أن تسعى الأحزاب والقوى السياسية إلى تحقيق هذه المعادلة بشفافية وصدق تحت سقف الانتماء الوطني.
كما أن مشكلة الاقتصاد بدأت بالسياسة، حلها ينطلق من السياسة أيضاً. نحتاج إلى سياسة وطنية تؤسس للتلاقي حول قضايانا المشتركة في السياسة الخارجية وفي الاقتصاد وفي التطلع إلى استثمار ثرواتنا الكامنة. هذه القضايا على أهميتها، لا تعدو أن تكون من البديهيات في مختلف دول العالم. الفرق أنهم يملكون كتاب تربية وطنية موحد ونحن نقرأ في كتب شتى.
لو أن الحكومة الحالية، بوزارة التربية والتعليم العالي فيها، لم تنتج سوى كتاب تربية وطنية موحد لخلدت اسمها في التاريخ.
يبقى أن تكاليف سقوط السلطة لا تُذكر أمام احتمال سقوط.. الوطن.