خلود شحادة – خاص ليبانون تايمز
حقيقة لا يختلف عليها اثنان، أن الدافع الأول للتحرك الشعبي الذي يشهده لبنان منذ اثنتي عشر يوماً كان العوز والفقر الذي أنهك المواطن، وبإجماع بين كل القوى على أحقية المطالب، الا أن بعض الظواهر في هذه التحركات أوجدت شبهات حول تمويل بعض الجهات لتدفع “بانتفاضة لبنان” الى المسار الذي تريده، عبر تطبيق أجندات خارجية.
الأمر ليس للتعميم، لكن الغموض المتعلق بحقيقة الموقف الأميركي من الحراك الشعبي في لبنان بدأ ينجلي، حيث أجمعت التقارير الواردة من واشنطن والمتقاطعة مع وسائل اعلامية وبعض العواصم العربية على دور أميركي خفي، من خلال الرسائل التي أوصلتها الخارجية الأميركية الى مراكز القرار في لبنان، والتي أرادت فيها رسم مسار تعاطي الدولة مع الحراك الشعبي، واضعة خطوطاً حمراء تعيق عملية التحرك لايجاد منافذ للخروج من الأزمة . واليوم أشارت وسائل الاعلام من مختلف الاتجاهات الى رسالة أميركية، ابلغت منها العديد من القيادات اللبنانية، تتضمّن ضرورة عدم التعرض لرئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان وقائد الجيش، كونهم ضمانة لاستقرار البلد. فيما دخل على الخط مباشرة جهات اعلامية وأكاديمية، وظهر ذلك من خلال ما صرح به رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، حيث أيّد في تصريحه قطع الطرقات وشدد على حماية المتظاهرين، والانصياع لمطالبهم.
في هذا السياق اعتبر المحلل الاستراتيجي الأستاذ طارق ابراهيم، أن كل ما ذكر قد يكون جزءا من الحملات الاعلامية التي تؤشر لتدخلات أميركية، مؤكداً أن العملية تعتمد على فرض معادلات قيادية جديدة على الساحة الطائفية، عبر استغلال الشارع السني ضد سعد الحريري والشارع المسيحي ضد “العهد” والشارع الشيعي ضد الثنائي الذي أكد وقوفه الى جانب الشعب بطالبه وبنفس الوقت محذراً من المؤامرة التي قد تحاك للوطن ويتم ذلك من خلال الأذرع الأميركية في لبنان.
ولفت ابراهيم الى أنه بحال كان هذا الأمر فعلاً قد وصل الى هذه المرحلة، فهذا يعني أن لبنان أمام تحولات جديدة في الأيام القادمة. وأوضح ابراهيم أن مظاهر التمويل الواضحة، تؤكد المخاوف التي حذّرت من مغبّة التدخلات الأميركية وغير الأميركية من حرف مسار هذه التظاهرات المطلبية، وانتقال عدوى “الخريف العربي” الى لبنان، ليكون فرصة سانحة لتدخل دولي يفقد لبنان سيادته ويجعله مسرحاً لتصفية حسابات خارجية.
أضف الى ذلك، لا بد من الاشارة الى أن بعض قادة التظاهرات يراهنون على تدخل مباشر من جهات خارجية، وآخرون يستغلون وجع الشعب لتطبيق أجندة كلّفوا بمهمة تطبيقها في الشارع اللبناني، وقد برزوا عبر شعاراتهم الاستفزازية “لمحور المقاومة” وتصويبهم بشكل مباشر عليه. الى جانب ما كُشف مؤخراً عن دعم مالي للحراك الشعبي من دول “خليجية” تعمل على فرض سياستها عبر ايجاد يد طولى لها في الساحة اللبنانية مما يستدعي الانتباه أكثر.
اذاً، لا بدّ من العمل على اعادة تصويب هذا الحراك باتجاه المطالب الشعبية التي انطلق لأجلها، بالتعاون مع الحكومة والمجلس النيابي وكافة الأحزاب والقوى السياسية للخروج من هذه الأزمة ، ولكي تبقى لهذه التحركات الصفة الشعبوية التي انطلقت منها.