غسان همداني
تعاني الولايات المتحدة الأميركية حالة من انعدام الوزن، و يعيش رئيسها جو بايدن أسواء كوابيسه، فما حصل في أفغانستان من انهيار السلطة الموالية للولايات المتحدة الأميركية، بغض النظر عن التحليلات السياسية المتضاربة بين قائل بأنها منسقة مع طالبان أو العكس، فتح باب جهنم على الرئيس الأميركي، وتعالت الأصوات بمحاسبته، والمطالبة بإقالته، كما تمرغت سمعة اميركا بوحل التخلي عن اتباعها وعملائها وتركهم لمصيرهم، وجعلت حلفاء اميركا وتحديدا في الشرق الأوسط يتحسسون رؤوسهم، ويقيمون مجالس ندب ولطم خوفا على مصيرهم، وأكبر دليل ما يصدر عن السياسيين والمحللين في الكيان المحتل.
ولا يبدو أن المأزق الأميركي محصورا في أفغانستان وحدها بل يتعداها الى دول أخرى ومن ضمنها لبنان، وما زاد طين الولايات المتحدة بلة أن المليارات من الدولارات التي صرفت على جحافل المجتمع المدني وقوى سياسية فيه لم تعط ثمارها، واكتشفت السفيرة الأميركية أنها “بُلفت” من قبل هؤلاء.
في السابع من تشرين الأول من العام 2019 تحرك الشارع اللبناني رفضا لزيادة بضع دولارات على الواتس آب، وعمت التظاهرات والتحركات معظم المناطق اللبنانية وفق خطة مدروسة وضعتها السفارة الأميركية في لبنان هدفت الى:
1ــ إشاعة بلبلة في الشارع اللبناني من خلال عمليات طالت المؤسسات العامة والخاصة.
2ــ انهيار الليرة اللبنانية بالاتفاق مع كارتيل المصارف الذي حجز أموال المودعين، والتحكم بسعر صرف الدولار الأميركي صعودا بالتواطؤ مع حاكم مصرف لبنان.
3ــ افتعال أزمة وقود وكهرباء ودواء، بالإضافة الى فقدان المواد الغذائية من الأسواق.
4ــ قطع الطرقات وخاصة طريق الجنوب في محاولة لاستفزاز الثنائي الشيعي وافتعال صدام مذهبي.
5ــ ارتفاع حدة الخطاب ضد سلاح المقاومة وصولا الى طرح الحياد.
6ــ تحريض البيئة الشيعية على الثنائي حركة أمل وحزب الله، واتهامهما بالتقصير عن القيام بتأمين مقومات الحياة لهذه البيئة.
7ــ اسقاط المجلس النيابي من خلال استقالة النواب، بالإضافة الى المحاولات المتكررة لاقتحام المجلس، والتركيز على الرئيس نبيه بري لاقتناع السفارة الأميركية بدوره الواضح في التصدي للمؤامرة الأميركية.
8ــ تحميل حزب الله وزر كل ما يحصل في البلد بدءا من انفجار المرفأ وصولا الى أي خلاف عائلي بين الرجل وزوجته.
نجحت الخطة في انهيار الليرة اللبنانية، و فرض حصار اقتصادي على اللبنانيين، لكنها فشلت في زعزعة البيئة الحاضنة للثنائي الشيعي التي عانت كما مختلف فئات الشعب اللبناني من تداعيات هذا الحصار، لكنها تمتعت بالوعي الكافي لدرء المؤامرة، والالتفاف حول قيادتي حركة أمل وحزب الله، بالإضافة الى ضبط النفس الذي مارسه الثنائي الشيعي في موضوع قطع طريق الجنوب، والذي مارسه حزب الله في كمين خلدة وما حصل في شويا، بالإضافة الى فشل مسرحية استقالة بعض النواب من المجلس النيابي وتهديد البعض الآخر بالاستقالة، كذلك فشل محاولة اقتحام هذا المجلس بالرغم من التقارير التي قُدمت الى السفيرة عن جحافل جرارة ستقتحم المجلس النيابي وتحتله في مدة قصيرة.
وكأن ما حصل لم يكفي السفيرة الأميركية في لبنان، ولم تقف مصيبتها عند ارتداد الحصار سلبا على كامل المجتمع اللبناني وتذمر اتباعها من تداعياته، فأعلن السيد نصر الله عن استجرار النفط من إيران، وتوجه أول باخرة الى لبنان.
وفي محاولة لاحتواء الصدمة أجرت السفيرة اتصالات عابرة للقارات، وأعلنت عن تأمين الكهرباء من الأردن عبر سوريا، متجاوزة قانون قيصر، بالإضافة الى تأمين الغاز المصري عبر سوريا أيضا، وهو ما أصاب مقتلا من جماعتها في لبنان، خاصة وأن هذا الإعلان جاء في خطاب هادئ ولم يتضمن تهديدا ولو مبطنا الى حزب الله.
إن ما حصل في أفغانستان ولبنان، سيدفع بالكثير من الدول الى تحدي العنجهية الأميركية بعد انكسار حاجز الخوف، وربما يفقد أميركا توازنها بعد فقدان هيبتها، فضربتان على الرأس تؤلم كثيرا.