محمد علوش – أحوال ميديا
“لبنان يحترق”، وتحترق معه قلوب اللبنانيين الذين يعانون القهر يومياً جرّاء ما أوصلهم إليه بعض من في السلطة، خصوصاً أولئك الذين لا يبلسمون الجراج وهم قادرين على ذلك. نعم قد يكون الحريق مفتعلاً رغم أننا لم نصل يوماً إلى خلاصة تحقيق بهذا الخصوص، وقد يكون الحريق طبيعياً جرّاء الحرارة المرتفعة والرياح وقلة التدبير، ولكن مما لا شكّ فيه أن الدولة لم تقم بأبسط واجباتها لمنع حصول الحرائق.
في السنوات الـ 15 الأخيرة، دون احتساب الحريق الحالي، ضاع 360 مليون متراً مربعاً من غابات لبنان، أي تقريباً ما يزيد عن ربع المساحات الخضراء فيه بقليل، وفي كل عام يتم تداول الحديث نفسه وهو أن الدولة غير جاهزة للمواجهة، ولا تمتلك مقومات الدفاع عن أشجارها، وإن امتلكتها يوماً ما، باعتها منذ فترة، رغم أنها استفاقت عام 2016 على ضرورة توظيف حراس أحراج، وهؤلاء يدل المسمى الوظيفي الخاص بهم على وظيفتهم، ولكن الناجحين لم يلتحقوا بأعمالهم بسبب “الطائفية المريضة”.
عام 2016 نجح عبر امتحانات مجلس الخدمة المدنية 106 لبنانيين لوظيفة حراس الأحراج، بينهم 18 مسيحياً، و88 مسلماً، الأمر الذي أطلق التفكير الطائفي في نفوس وزراء التيار الوطني الحر الذين اعتبروا أن حقوق المسيحيين مهدورة، رغم أن الوظيفة هي ضمن الفئة الرابعة، ورغم أن الفقرة “ب” من المادة 95 من الدستور اللبناني تنص على أنه “تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويُعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات وفقاً لمُقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يُعادل الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مُناصفة بين المسيحين والمُسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيّد بمبدأي الاختصاص والكفاءة”.
بقيت الاحراج بلا حراس حتى يومنا هذا، رغم محاولات غير ناجحة حصلت لزيادة عدد المسيحيين في هذه الوظيفة، إذ لم تتمكن أي حكومة منذ العام 2016 حتى اليوم من تمرير هذا الملف، علماً أن البعض يقول بأن حق الناجحين في مجلس الخدمة المدنية يسقط بعد مرور عامين على نجاحهم.
انتصر التيار الوطني الحر لما يقول أنه “حق المسيحي”، وخسرت غابات لبنان منذ العام 2017 حتى العام 2020، 86 مليون متراً مربعاً، سيُضاف إليها حوالي 13 مليون متراً مربعاً محترقاً في الحريق المندلع حالياً شمالاً، ولكن لا بأس، فمن يهتم لمساحات خضراء أصلاً، طالما الحراس لن يكونوا مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
تسببت الطائفية في قتل اللبنانيين خلال الحرب الأهلية، وتسببت بإحراق لبناننا وإفقارنا بعد الحرب الأهلية، رغم ذلك لا يزال هناك من يتمسك بمنع مرور ملفات الناجحين في مجلس الخدمة المدنية من ضمن الفئات الرابعة، لعدم وجود توازن طائفي.
خسر لبنان عام 2019، 41 مليون متراً مربعاً من أشجاره الخضراء، وسيخسر المزيد اليوم وفي العام المقبل وما يليه، حتى نصل ربما إلى مرحلة يصبح لزاماً علينا فيها أن نغير اللون الأخضر من علمنا إلى اللون الأسود، وعندها ربما لن نتذكر لبنان الذي عرفناه وأحببناه، ولكننا سنتذكر دائماً أن “الطائفية قتلتنا”.