أشار البطريرك الماروني الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي الى أن “الشعب اللبنانيّ قد بات محرومًا من أبسط حقوقه الإنسانيّة للعيش الكريم، فيما المسؤولين يشلّون الدولة والحياة العامّة بعنادهم في تعطيل تشكيل السلطة الإجرائيّة المتمثّلة في الحكومة، فبتنا نشكّ في نواياهم الوطنيّة”.
وفي عظة الأحد، اعتبر الراعي أن “من المحزن والمخزي حقًّا أن يكون الخلاف غير المبرّر في تطبيق المادّة 53/4 من الدستور سببًا لتشنّج العلاقة بين رئيس الجمهوريّة والرئيس المكلّف إلى حدّ التخاطب بواسطة المكاتب الإعلاميّة والأحزاب الموالية ردًّا بردّ، كما من وراء متاريس تزيد من تشقّق لحمة الوحدة الداخليّة. ومن المؤسف القول أنّ هذه ليست أصولَا لعلاقةِ بين رئيسِ جمهوريّةٍ يُفترضُ أن يكون فوق الصراعات والأحزاب، وبين رئيسٍ مكلَّفٍ يُفترضُ أن يَستوعِبَ الجميعَ ويَتحرّرَ من الجميع. وليست هذه أصولَا لعلاقةِ بينهما”.
واضاف: “إذا لم تَصطَلِح العلاقةُ بين الاثنين لن تكون لنا حكومة، فهما محكومان بالاتفاقِ على تشكيل حكومة “مهمّة وطنيّة” تَضُمُّ النُخبَ الإخصّائيّةً الاستثنائيّةَ وليس العاديّةَ المنتميةَ إلى الزعماءِ والأحزاب. إنّ الإمعان في التعطيل يتسبّب بثورة الجياع وحرمانهم من أبسط حقوقهم ويدفع بالبلاد إلى الإنهيار. وهذا منطق تآمري وهدّام يستلزم وضع حدّ له من أجل إنقاذ لبنان”.
وتابع: “نشجب ونُدين بشدّة العنف الذي يُرافق التظاهراتِ في مدينة طرابلس العزيزة. ونَستنكرُ الاعتداءَ على المؤسّساتِ العامّة والممتلكاتِ الخاصّة وعلى الجيشِ اللبنانيِّ وقِوى الأمن. ولكن عوضَ أن تحلّلوا، أيّها المسؤولون السياسيّون، مَن يَقفُ وراءَ المتظاهِرين لتبريرِ تقصيرِكم المزمِن، كان الأجْدى أن تَستبقوا الانفجارَ المتصاعِدَ وتُعالجوا أوضاعَ الأحياءِ الفقيرةِ في مدينةِ طرابلس، وحالات الجوع العام في البلاد. فأنتم أنفسكم تشرّعون الأبواب أمام المخرّبين ومستخدميهم”.
ودعا أن “كفّوا عن تجاهلِ الأسبابِ الحقيقيّة. وهي اجتماعيّةٍ وماليّةٍ ومهنيّةٍ ومعيشيّة. الفَقرُ وراء المتظاهرين، والجوعُ أمامَهم واليأسُ يملأ قلوبهم ويُشجِّعُهم. وأنتم تَتقاذَفون المسؤوليّةَ وتَتبارَوْن في تفسيرِ أسبابِ التظاهراتِ وأهدافِها، كما تَتقاذفون المسؤوليّةَ حولَ أسبابِ عدمِ تأليفِ الحكومة وهي واهية، فلكم نقول بكلّ أسف: ما كان شعب لبنان يومًا يتيمًا مثلما هو اليوم. فعوضَ أن يَنظُرَ إلى دولتِه يَنظُر إلى الدولِ الأُخرى. وعوضَ أن ينظّم انتخاباتِه يَنتظرُ انتخاباتِ الآخَرين. وعوضَ أنيرى الإصلاح في مؤسّساتِ بلادِه يَتطلّعُ إلى مؤسّساتِ المجتمع الدولي. وعوضَ أن يثقب مسؤوليه يضع كلّ ثقته في مسؤولين أجانب. وعوضَ أن يرتاح إلى عدالةِ دولتِه يَنشدُ عدالةً دوليّة. فهلّا استخلصتم العبرة، وأصلحتم ذواتكم وممارسة مسؤوليّاتكم؟”.
وراى الراعي أن “إذا لم يكن القضاء مستقلًّا، لن يكون عادلًا، بل يصبح أداةً للظلم والكيديّة ولإعتماد أسلوب الوشاية وفبركة الملفّات واستباحة الكرامات. وهذا ما نشهده بكلّ أسف في هذه الأيّام. أشخاص يظلمون لأسباب سياسيّة وحسابات شخصيّة وفئويّة بسوء استخدام القضاء. ماذا؟ هل صرنا في دولة بوليسيّة، ديكتاتوريّة؟ فلتحزم المرجعيّة القضائيّة أمرها، فتضبط كلّ قاضٍ يأتمر بأوامر السياسيّين والسلطة الحاكمة، وتحافظ على ثقة الشعب بالقضاء. ثمّ أين نحن من التحقيق العدليّ بشأن انفجار مرفأ بيروت، وإلى متى ينتظر الموقوفون نهاية التحقيق لكي يعرفوا مصيرهم”.