زهراء شرف الدين- ليبانون تايمز
النزاع الأذري-الأرمني حول إقليم “ناغورني قره باغ” الذي انشق عن أذربيجان وتقطنه أغلبية أرمينية، من أقدم النزاعات التي لم يتم حلها بعد، ورغم إعلان أرمينيا انفصال الإقليم وقيام “جمهورية” فيه، فإنها لم تنل اعتراف أي دولة، فالمجتمع الدولي يعترف بـ “اقليم ناغورني قره باغ”، جزءا من أذربيجان بموجب القانون الدولي.
في هذا السياق أفاد المحلل السياسي علي يحيى لـ”موقع ليبانون تايمز” أن الصراع الحالي تتداخل فيه عدة عوامل منها البعد الطاقوي ومنها البعد الجيو سياسي والتاريخي، بداية تركيا الداعمة لأذربيجان والتي تنظر اليها من بعدين، الأول تاريخي، حيث أن الأحزاب التركية باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي، يعتبرون ان تركيا وأذربيجان شعب واحد، إضافة إلى ارتباطهما بعدة تحالفات، كذلك البعد الطاقوي، فهناك أنبوب من الغاز يمتد من أذربيجان الى تركيا مما يخفف اعتمادها على الغاز الروسي، وهناك تبادل تجاري 3.3 مليار دولار ويهدف البلدان الى ايصالها الى 15 مليار دولار خلال الثلاث سنوات القادمة، واعتماد تركيا خط سكك حديد لنقل المسافرين والبضائع بحوالي 6.5 مليون طن، كذلك اكثر من مليون سائح اذري يأتي الى تركيا”.
بالنسبة لإيران، يفيد يحيى بأنها “تحاول اخذ موقف حيادي، وتدعو الى التهدئة، رغم ان أرمينيا همها الأكبر كونها حليف تجاري اضافة الى أن أذربيجان تحتوي على مجموعات ارهابية، وليس من مصلحة إيران اعلانها الوقوف الى جانب أحد الأطراف، لان أي زعزعة في المنطقة سيؤدي الى تدخل دولي مباشر ومعادي لها، فهي تريد ان يبقى الوضع على ما هو عليه وستحاول التدخل في وساطة ربما في الأيام القادمة.
أما روسيا فتلعب دور التوازن بين البلدين، وهذا له عدة عوامل، فأرمينيا خلال الفترة الماضية، وتحديدا رئيس وزرائها الذي هو نتاج الثورة المخملية، أصبح أكثر تقربا الى الغرب، مما اثار القلق لدى روسيا، رغم ابقائها على جنود واسلحة داخل أرمينيا، إضافة الى ان روسيا لديها مصالح مع أرمينيا وأذربيجان، فهي تمتلك 40% من الاستثمارات الأجنبية داخل أرمينيا، وكذلك تمتلك استثمارات في حقول الطاقة داخل أذربيجان.
أيضا لـ”إسرائيل” علاقات مع البلدين، لكنها مستفيدة اكثر من أذربيجان، كونها تقع على حدود ايران فهي مستفيدة من التهديد الوجودي، إضافة الى وجود علاقات متنامية بين البلدين، واتفاقيات، وهي تشكل 40% من مصدر الطاقة بالنسبة لإسرائيل”.
وأشار يحيى إلى أن “المعارك عنيفة بين الجانبين، رغم أن مكامن القوة تقع في الجانب الاذربيجاني، “خاصة بعد استقدام تركيا فرقا من شمال سوريا وليبيا، ودعم أذربيجان بالأسلحة أيضا، إضافة الى ان أذربيجان عدد سكانها 10 مليون بينما أرمينيا 3 مليون، الناتج المحلي 172 مليار دولار، بينما بأرمينيا، 28 مليار دولار، وهذا أدى الى زيادة الانفاق على التسليح بأذربيجان أكثر من أرمينيا، فالميزانية الدفاعية في أذربيجان في الـ2017 2.8 مليار دولار، بينما أرمينيا 0.6 وهي اعتمدت على التواجد الروسي”.
وأكد يحيى أن “كل محاولات التهدئة فشلت، حتى مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لم تستطع حل الخلاف، فأذربيجان وتركيا لا تريدان وقف النار قبل استعادة الأراضي المحتلة، أما أرمينيا فتحاول تثبيت القوة واستخدام الإعلام لصالحها، لذلك فالمواجهات الحالية يمكن القول انها أوسع من المواجهات السابقة”.
عملية صراع على الثروات والنفوذ، تستفيد منها تركيا، لهذا تضع ثقلها في هذه المعركة، فيما يحاول الأطراف الباقية مساومة تركيا لوقف التدخل، وربما وقف الحرب القائمة، خاصة روسيا فالمسألة بين تركيا وروسيا هي لعبة توازن في المنطقة، وقد يكون هناك اعتبارات لروسيا قريبة من الأرمن، ولكن تم رفض الوساطة الروسية من قبل تركيا، لاعتبار روسيا قريبة من الأرمن وهذا ما يستبعدها من أن تلعب دور الوسيط .
وبالرغم من المصلحة المشتركة لجميع الأطراف والقدرة على الضغط على تركيا، لا يمكن لتركيا استدامة النزاع، يؤكد يحيى أن “الاقتصاد التركي يعتمد على توازن الليرة التركية، لذلك صوتها اعلى مما تستطيع فعله، لان تركيا حاليا تراجعت عملتها بنسبة 29% وهذا بحد ذاته عامل ضغط على تركيا”.
ومع وضوح استقطاب تركيا لمجموعات خارجية، واستعمالها في هذا القتال، لا نجد أصواتا داخلية معادية لهذا الأمر ولا حتى دولية، والسبب برأي يحيى أن “التخلص من هذه المجموعات لا يؤدي الى انعكاسات داخلية، هي تكاليف مادية وليست تكاليف بالأرواح التركية كونهم مرتزقة، وهذه هي نقطة القوة لدى تركية لإبقاء الداخل دون ردود فعل على هذه الحركات، وبالنسبة للدول فجميعها تستعمل المرتزقة لذلك لن يتم التعليق على هذا الموضوع”.
واعتبر يحيى أنه “إذا استمرت الازمة سيكون هناك تدخلات، وربما تكون من ايران، خاصة بعد فشل جميع المحاولات الديبلوماسية الدولية، وبعد تصاعد الموقف العسكري بين البلدين، ولكن لا أرى حل في القريب”.
أذربيجان أكدت مرارا أنها لن توافق على وقف إطلاق النار ما لم تسحب أرمينيا قواتها، ولن تفاوض وهو موقف كرره وزير خارجيتها بقوله “سنقاتل حتى الرمق الأخير”، الواضح أن أذربيجان ستسعى لتحقيق مكاسب عسكرية تؤدي لإضعاف الموقف الأرميني في المفاوضات، والواضح أن الوساطة مستبعدة قبل فترة زمنية، خاصة ان أذربيجان تملك موازين القوة والتنازل عبر التفاوض لن توافق عليه.