محمد علوش – موقع النشرة
عندما بادرت فرنسا بالدخول الى الساحة اللبنانية بقوّة من باب انفجار مرفأ بيروت، كانت التحليلات تبحث في حجم القبول الأميركي لهذا الدور الفرنسي، وبعد أن قُدّمت المبادرة السياسية، كان السؤال عن موقف أميركا منها، وهذه الأسئلة لا تزال لم تجد جوابا طالما أن المفاوضات الحكومية لم تنتهِ بعد.
في الأيام الماضية، سعت الولايات المتحدة إلى إرسال أكثر من رسالة إلى الجانب الفرنسي، عنوانها انتقاد نظرة باريس إلى العلاقة مع الجمهوريّة الإسلامية في إيران أولاً، ودور فرنسا المستجد على الساحة اللبنانية ثانياً، كان أبرزها تلك التي عبّر عنها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في مقاله الذي نُشر في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية.
تلك الرسالة، التي صُنفت على أساس أنها رغبة أميركية في عرقلة المبادرة الفرنسية، انتقدت بشكل أساسي إجتماع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته إلى بيروت، مع رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، الأمر الذي دفع بالكثيرين إلى السؤال عن كيفية تعاطي باريس مع هذه الرسالة، في ظلّ الرغبة الواضحة التي تبديها بإنجاح مبادرتها في لبنان، الأمر الذي لا يمكن أن يتم من دون تواصل مباشر مع “حزب الله”، وهو الأمر الذي أدركه ماكرون قبل زيارته الى لبنان، وأصر عليه خلال الزيارتين.
الردّ الفرنسي على الرسالة الأميركية لم يتأخر في الصدور، حيث كان تواصل السفير برونو فوشيه مع مسؤول العلاقات الدولية في الحزب النائب السابق عمار الموسوي، أول من أمس، مؤشرا على أن باريس لن تتراجع عن موقفها الرافض لتصنيف “حزب الله” منظمة إرهابيّة، كما تريد واشنطن، وتُصر على الفصل بين الجناحين السياسي والعسكري بالرغم من أن الحزب نفسه لا يعترف بهذا الفصل.
كذلك تشير مصادر سياسية مطّلعة الى أن الحزب تواصل مع مدير المخابرات الفرنسية برنار إيمييه، وتم النقاش في الحكومة ووزارة المال، ليشكّل هذا التواصل مفاجأة الى أطراف لبنانية معارضة لحزب الله، كانت ولا زالت تمنّي النفس بلحاق الجانب الفرنسي بالإدارة الأميركية ووضع حزب الله على لائحة الإرهاب، الامر الذي لم يحصل ولن يحصل قريبا على ما يبدو.
إن كل الإيجابيات التي ظهرت بالساعات الماضية في الملف الحكومي سببها الانفتاح الفرنسي على حزب الله، فالأمور بدأت في ذلك اللقاء، ما يؤكد بحسب المصادر أن الفرنسيين يريدون نجاح مبادرتهم، وهم يرفضون تحميلها كل التفسيرات التي حاول نادي رؤساء الحكومات السابقين رسمها لتحقيق الانقلاب السياسي على فريق الأكثرية النيابيّة، فلا المبادرة تنص على مداورة، ولا هي تنصّ على إخراج الاحزاب من الصورة، ولا هي تنص على تهميش الفريق الشيعي.
تحتاج فرنسا الى حزب الله، ويحتاج الحزب الى فرنسا، اذ لا ينفع الحزب أن يعزل نفسه دوليا، وهو وجد بالتواصل مع الفرنسيين فرصة قد لا تتكرر بالمستقبل، لذلك كان النقاش ضمن هذا الإطار.
انطلاقا من هنا، ترى المصادر أن اللقاء الفرنسي مع الحزب يؤكد على أمرين، الأول هو رفض انتقاد بومبيو للأداء الفرنسي، والثاني هو الرغبة بإنجاح المبادرة نظرا لأهميتها في رسم الدور الفرنسي في لبنان للمرحلة المقبلة، ولكن هذا الرد الفرنسي على وزير الخارجية الاميركي قد لا يجد تقبّلا أميركيا، ما يفتح الباب أمام كباش أميركي-فرنسي على الساحة اللبنانية، وهذا هو الأمر الذي تخشى منه القوى السياسية الراغبة بولادة الحكومة قريبا.
لا يحتاج لبنان الى كباش جديد بين الدول، فهل تسلك الحكومة طريقها نحو النور بحسب الرغبة الفرنسية أم يكون للأميركيين رأيهم المختلف؟.