فرح شمص – ليبانون تايمز
تعتبر مشكلة الديكتاتورية واحدة من المشاكل النافذة منذ القرن العشرين وحتى يومنا هذا، إذ لا يزال هناك الكثير من الأنظمة الديكتاتورية التي ترفع أعلام استبدادها في عدد لا بأس به من البلدان. وقد شهد العالم حركات إحتجاجية وإنتفاضات وثورات بمختلف أرجائه تطالب بالتحرر من قيود الديكتاتوريات والأنظمة الإستبدادية وأشكال الظلم والفساد كافة.
يقول د. Fathali Moghaddam، عالم النفس الإيراني وأستاذ علم النفس في جامعة جورجتاون، في حديث معه حول كتابه “The Psychology of Dictatorship”: “في الدول الديكتاتورية التي عشت فيها أو سافرت إليها، وجدت أنه في الواقع إذا تعرفت على أشخاص، حتى لو كانوا أميين، فإن معظمهم يعرفون ما يجري، ولا تخدعهم أيديولوجية الدولة سواء أكانت إسلامية، ماركسية، ديمقراطية، ليبرالية… إنهم يعلمون جيدا بأنهم يعيشون في ديكتاتوريات فاسدة، ولكن ما يمنع الناس من الإنتفاض ضد الدولة هي – ببساطة – الأسلحة التي تتوجه إلى رؤوسهم؛ إنها قوة عارية تبقي الجماهير في أماكنها”.
دائما ما كان لعلماء النفس فضول حقيقي لسبر غور شخصية الديكتاتور، وقد وجد أكثر من طبيب نفسي بالدراسة النفسية الموسعة، أن نسبة كبيرة من الطغاة كانوا يعانون من “القلق المزمن”، وقد يشعر المصاب به بالضعف الشديد تأثّرا بنوبات الهلع أو الذعر، والتي قد تؤدي إلى إقبال صاحبها على ارتكاب أفعال راديكالية. أي شخص قد يصاب بهذا المرض ويمر بنوبة هلع، لن يكون في يده أي شيء سوى البكاء، وقد يستولي عليه شعور الإستسلام، ولكن عندما يكون هذا الشخص حاكما أو رئيس دولة متحكما في مصير ملايين، فإنه قد يقتل ويدمر دولة بأكملها فقط بهدف الهروب من شعور القلق الذي يلاحقه. فمريض القلق المزمن يصعب عليه التعامل مع الرفض الذي قد يتجسّد في خروج ملايين من الناس احتجاجا على سياساته مثلا، أو في هتافات ضده بعبارات الرفض والسباب؛ عندها، يفزع الديكتاتور ويصاب بالهلع والتوجس، فيصدر أوامر للتعامل مع المعارضين بالإعتقال السياسي، بالسحل والقمع أحيانا، وأحيانا أخرى حتى بالرصاص الحي.
إضافة إلى مرض “القلق المزمن” الذي يعاني منه العديد من طغاة العالم، فإن لديهم الشعور بالعظمة الذي هو شعور زائف يختبئ خلف النرجسية، ويجعلهم يرون أنفسهم كأشخاص مميزين جدا. ويطلق علم النفس على هذا الشعور مصطلح “العظمة غير الآمنة”، وهذا لأن شعورهم بالعظمة يتهدّم مع أول صوت معارض ضدهم وضد سياساتهم، ومع أول لافتة ترفع بالطرقات مطالبة بإسقاطهم. من هنا تأتي الأوامر بقمع المتظاهرين بأساليب إخضاعية، وقد تكون دموية أحيانا. فالديكتاتور لديه الكثير ليخسره، من سلطة ومال وفريق كامل من الإختصاصيين والوزراء الذين يعملون تحت إمرته، ولكن أهم ما يخاف الديكتاتور أن يخسره فعلا هو الصورة الذهنية التي كونها عن نفسه في رأسه.
هذا وقد كانت الدولة الألمانية بين عامي 1933 و1945 خاضعة لسيطرة النازيين بقيادة ادولف هتلر. وبعدها في سنة 1945 سقط هتلر والنازية، واستطاعت المانيا أن تنهض وتزدهر لتصبح ما هي عليه اليوم. أما لدينا، فبعد سقوط العديد من الديكتاتوريين العرب، لم نستطع أن نلاحظ فرقا شاسعا بالنهوض في بلداننا، بل على العكس، كانت النتيجة أسوأ في بعض البلدان العربية. ولعل هذا الواقع مردّه هو إعتقادنا أن الحل قابع فقط في إسقاط الحاكم، من دون أن نعي أن المشكلة الحقيقية هي في النظام القائم بكل أركانه، وفي الجهل المتعشعش في مجتمعاتنا، والذي أنتجته السلطة من خلال أدواتها عامدة إلى تحطيم منظوماتنا التعليمية، وإحتقار الكفاءات العلمية القادرة على نشر الوعي، وتغييب المفکرين أو إغتيال المثقفين أو إستغلالهم لتسويق سياسات النظام من باب عقلاني بشكل يتجاوز الميتافيزيقيا لخدمة مصالح السلطة، وغيرها من الأساليب.
نعلم أن لكل طاغية نهاية، وأن الأنظمة الديكتاتورية المستبدة الظالمة مصيرها في مزبلة التاريخ، ولكن علينا أن نعي جيدا أن الحل لا يكمن في تغيير أسماء الحكام فقط، بل في تكريس مبادئ التداول والإستقلال ورفض التبعية وتغيير النظام. وبناء على كل ما سبق، فإن علينا بناء جيل واعٍ فكريا وعلميا كي لا نعيد إنتاج نفس النظام بتغيير لوجه الحاكم فقط.