ليبانون تايمز ـ الدكتور جورج كلاَّس العميد السابق لكلية الاعلام ـ الجامعة اللبنانية
سَيُسَجِّلُ التاريخُ اللبنانيُّ الحديثُ ، وستُدَوِّنُ الذاكِرةُ الشعبيّةُ ، أَنَّ زَمَنَ “ما قبل نبيه بِرّي ، لَيسَ كما بَعْدَهُ” !
ليسَ لأَنَّ ( دَولةَ القائِدِ ) هو منَ الخوارِق … وليسَ لأَّنه من الأشخاصِ الذينَ لا يَتَكَرَّرونَ … بَلْ لأَنَّهُ أَثبتَ في مُختلفِ تَطوّراتِ الأوضاعِ اللبنانيّة وتَشعُّباتِ الأَزَمَةِ ، الأمنيةِ والسياسيَّة والاقتصادية والإجتماعيةِ والإغترابيَّةِ ، وعلى مدى تاريخِيَّةِ نِضالِهِ الحَرَكِيِّ و مَسؤولياته الدستورية، ، و دَوْرهِ الوطني وحضورِهِ البرلمانِيِّ ،من على منابِرِ الساحَتَيْنِ العربيَّةِ والدولية ، أَنَّهُ شخصيَّةٌ إستثنائِيَّةٌ ، في تاريخِ الحياة السياسيِّة اللبنانية و محَطَّاتها الكثيرةِ التضاريس و الصعبةِ المعارِج والكثيرَةِ التحديات والمَليئةِ التفخيخات..!
لَيسَ لهذا الكلامِ مُناسَبَةٌ مُحَدَّدَةٌ ، ولا هو مَحصورٌ بِزَمَنِيَّةٍ أَزْمَةٍ نِزاعِيَّةٍ ، بَلْ إنَّ ما حَرَّضني عليهِ ، هوَ إعْتزازي النَرجَسي الخاصِ بِشخصِ هذا ( اللبنانيِّ جِدّاً )…لا الشهادةُ فيهِ .!
في مَنْطِقِ رَجُلِ الدولةِ الإستثنائي ،في الظروفِ القاهرَة ، أَنّ المسؤوليةَ السياسيَّةَ لا تنفصلُ أبَداً عن المَسؤوليةِ الإجتماعيَّة. وهذا ماأَكَّدَهُ دَولتُهُ تفكيراً و فَنَّ قيادَةٍ ، و تِقنِيَّةَ إتخاذ قراراتٍ و صيَاغَةِ مُبادرَاتِ حَلٍّ ، في عِزِّ تشابُكِ الخلافاتِ وتباعُدِ الناسِ و بروزِ النزاعات..!
وفي السلوكاتِ القياديَّةِ لدولةِ الرئيس نبيه برّي ، سِيرةً و مَساراً و نَهجاً ، أَنَّ الزعامةَ لَيسَتْ مَوسميّةً ..وأنَ الإنسانَ ، هو أَولوِيَّةٌ مُطلَقَةُ على جَدولِ إهتماماتِهِ اليومية ، خِدمةً و تَشريعاً و حُضوراً مَيدانِيّاً إستباقِيّاً..!
هوَ القائدُ الرَمزُ ، الذي إنتهَجَ لِنفسهِ خَطّاً جِهاديّاً ، ديناً و دُنيا ، مُسْتَلْهَماً من مبادئِ الإمام موسى الصدر وما بَثَّهُ في المجتمع اللبنانيِّ من تعاليمَ روحيةٍ و قِيَمٍ إنسانية و مواقفَ نَوعِيَّةٍ ، طَبَعَتِ الحالةَ اللبنانيّةَ بِتَحوُّلاتٍ مَفصليَّةٍ ، على صعيدِ النظرَةِ المجتمعيةِ الى لبنان ، كبلدٍ مُستَقِلٍّ و ذي فرادةٍ و خصوصيَّةٍ ، بالارتكازِ الى مُثلَّثٍ قِيَمِيٍّ ، قواعده:
١-النهائيّةُ الصريحةُ للبنانَ، وَطناً حاضِناً لِكلِّ أبنائهِ ، بكامل حقوقهم و إلتزاماتهم و واجباتهم، بعيداً عن مَنطقِ الإمتيازاتِ والمَحْمِيَّاتِ ، و إصْطِناعِ وَ لاءاتٍ و بِناءِ كِيانات. هذه القيمةُ تَظَهَّرَتْ بوضوحِ في تاريخيَّةِ المفاصلِ الحادَّةِ والمفارقِ الكبرى التي مَرَّ بها لبنانُ في مرحلةِ ما بعدَ الطائفِ ، ونجحَ الرئيس برَّي بِحكمتِهِ و عَبْسَتِهِ غَبَّ الطَلَب من إجتيازِها ، حامِلاً لبنانَ على مَنكَبَيْه ، للعبورِ بهِ مَنْ ضَفَّةِ المُجازفاتِ و المخاطِرِ الى واحاتِ الِسِلمِ والسلام …!
٢- تكريسُ التوازنِ الفعليِّ بينَ السلطاتِ ، إنطلاقاً مِنْ إستقلالية المواقعِ الدستورية وتكاملها الصحيحِ ، لِتُشَكِّلَ نَمَطاً جَيِّداً لنظامٍ سياسيٍّ مَأْمُولٍ ، كادَ أَنْ يكونَ مِثالياً ، لَوْ أُتِيحَ لهُ ، دولياً و إقليمياً أَنْ يُترَكَ لِيَتدبَّرَ أمرَهُ و يُديرَ شؤونهُ بنفسِهِ ، بعيداً عن الإستثماراتِ الخلافية ، والمُزايداتِ السياسيةِ والإنتداباتِ الجديدةِ لبعضِ الدول ِ ، التي بَنَتْ خُطَطَها العامة قياساً على رصيدِ حضورها على خارطةِ السياسةِ اللبنانية ، والتي إعتادَتْ في غَفلاتِ الأزماتِ التدَخُّلَ في شؤُونِهِ و صياغَةِ قراراتهِ ، من نافذةِ الإيحاءِ بتقديمِ بعضِ وجوه الدعمِ لجماعاتٍ سياسية و طائفيةٍ ، بمسعىً لكَسبِ مؤيّدينَ و خلقِ مَوقعٍ سياسيٍّ لهم خارِج َ حدود كياناتهم ..!
٣-صراحَةُ الإنتماءِ و قُوّةُ الإلتزامِ ، التي من المُفتَرَضِ ان تُشكِّلَ قاعدةَ الوِحدةِ المَصيريَّةِ الصلبة بين كلّ اللبنانيين . وهذا ما لا يزالُ كثيرون يتبارونَ لِتقديمِ إجتهاداتٍ خاصةٍ حوله ، رَغبَةً بتحقيقِ إنتصاراتٍ أَوْ تسجيلِ نِقاطٍ و تَوَهُّمِ إنجازاتٍ ، حتى وَلَوْ صَدَقَتْ النِيَّاتُ و صَفَتْ التَطَلُّعاتُ ، رُغمَ تبايُنِ الآراءِ و تَباعدِ المواقفِ و تشابكِ الإرتباطاتِ و تقاطُعِ المصالِحِ ..!
إنَّ من علاماتِ القيادةِ اللَّامِعَةِ في نهجِ هذا الرجلِ-الدولة ، ثَباتُهُ على المواقف و إلتزامُهُ بالمبادئ ، و عَدَمُ إستثمارِهِ للإنتصاراتِ والإنجازاتِ ، إلّا بما يَخدمُ كُلَّ لبنان و كلَّ اللبنانيين ، بِدئاً من مسيرته الجهاديّةِ والمُقاوِمَةِ ، وصولاً الى إنقاذاتِهِ الوطنيَّةِ الدائِمَةِ، مروراً بقيادَتِهِ الصلبَةِ للسلطةِ التشريعيَّةِ ، كَضامِنٍ مُلازِمٍ للحالةِ الديمقراطيَّةِ التي إِنطبَعَتْ بها الحياةُِ السياسيّةُ اللبنانيّة، على مدى تَكَوُّنِها و تطوُّرِ مراحلها.
ونبيه برّي …متى دعاهُ الوطنُ ، هَبَّ الى المُعتركاتِ ، صعدَ القِمَمَ ، و رَبَضَ على الصدورِ ، مَخافَةَ أَنْ يَنالَ لبنانَ ضَيْمٌ أَوْ يَطالَهُ خَطَر….وإلّاّ كَيْفَ نُفسِّرُ إنشغالَهُ بالكبيرةِ والصغيرةِ ، و حِرصَهُ على معالجةِ أَدِّقِ الأمورِ في زَمَنِ الأزَمَاتِ ، وعَصرِ الإختِباءاتِ ، وهو المُدرِكُ عَميقاً أَنَّ التمايُزَ إنَّما يكونُ في التفاصيل !؟
كَيْفَ له أَنْ يكونَ حاضراً مُشَرِّعاً في مجلس النواب ، و مُستَنْفِراً قِيادياً في عين التينة .. قلبُهُ على الإغترابِ ، وعَقلهُ في الجنوب ، وكلُ لبنانَ في ضميرهِ …لوْ لَمْ يَكْنْ هذا النبيهُ مَنذوراً بكليَّتِهِ لِلُبنان!؟؟!
نعمْ ، نبيه برِّي منذورٌ أَبداً لِلبنان…!
هوَ مَنذورٌ …ونِذراً علينا أَن نُوفِيَ النِذْرَ، مَهْما بَلَغَتِ الكِلْفَةُ…!