غسان همداني- ليبانون تايمز
تعيش القضية الفلسطينية اليوم غربة ما بعدها غربة، وصفقة القرن المطروحة اليوم من قبل الرئيس الأميركي ترامب تتجاوز بخطورتها إحتلال فلسطين .
مرد هذه الخطورة، يعود إلى تخاذل عربي علني عن نصرة فلسطين، كان حتى الأمس يشوبه بعضاً من الحياء، خوفا من رد فعل الشعوب العربية المتعاطفة مع القضايا الوطنية وحركات التحرر في العالم العربي، خاصة في ظل إنهيار أنظمة ملكية ورجعية، وظهور أنظمة “تقدمية”.
مع دخول ما سمي بالربيع العربي، وتردداته الخريفية على الدول العربية، وتشظي بعض الدول، وإنشغال البعض بحروب داخلية، تغير المزاج الشعبي العربي تجاه القضية الفلسطينية، وكان ساعد في هذا التغيير، قرار منظمة التحرير إجراء مفاوضات مع العدو الصهيوني في كامب دايفيد، وما نتج عنه من إتفاقات في أوسلو وغيرها.
هذه الإتفاقات، أوحت وكأن القضية الفلسطينية حلت، وان الصراع الذي كان قائما، تحول الى نزاع بين دولتين، بغض النظر عن حقيقة وجود كيان فلسطيني.
يضاف الى هذا السبب أسباب أخرى، تمثلت في خلق عدو وهمي، بديلا عن العدو الصهيوني، متمثلا بالخطر الشيعي القادم من جهة إيران، وما زاد الطين بلة، دعم إيران لحركات المقاومة الإسلامية المتمثلة بحماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، ما أدى الى رفع منسوب التخويف من الخطر الشيعي على الوجود السني.
إن معظم شعوب المنطقة العربية، اصبحت تتقبل فكرة التطبيع مع العدو الصهيوني، والذي بدأ يظهر للعلن في كثير من هذه الدول، حتى أن لقاءات المسؤولين الإسرائيليين مع الحكام والزعماء العرب لم تجد لها صدى إستنكار أو إستهجان، وبالمقابل لم يخرج سوى الشارع اليمني المثقل بالجراح العربية، وتحرك خجول في المغرب، الى الشارع إستنكارا وشجبا لصفقة القرن.
مع إنشغال الدول العربية بأزماتها، وإنهيار ما كان يعرف بدول التصدي، لم يبق في الميدان متصديا لهذه الصفقة سوى المقاومة في لبنان، مع قبول ضمني من بعض اطراف السلطة وكثير من القوى السياسية فيه.
إن تطويع المقاومة بدأ يأخذ منحى جديدا، بعيدا عن الخيار العسكري المباشر، هذا المنحى يتمثل بإفتعال الأزمات في لبنان، واستعمال بعض منظمات المجتمع المدني التي تدور في فلك الولايات المتحدة الأميركية، من أجل تقويض الإستقرار الأمني، من خلال أعمال الشغب وقطع الطرقات، ويترافق ذلك مع إنهيار إقتصادي ، تساهم فيه المصارف والصيارفة، عبر تفلت سعر الدولار من عقاله، ومنع الودائع عن الشعب اللبناني، دون أن ننسى العقوبات الأميركية وتضييقها على من يرفض من المصارف السير بهذه الخطوة، وما مصير”جمال ترست بنك” إلا خير دليل على ذلك.
الخوف، كل الخوف، من أن تطول هذه الأزمة، لتضييق الخناق على الدولة اللبنانية، للقبول بخيار التوطين، ليس للفلسطينيين فقط، بل لتطال السوريين النازحين، ويكون الثمن رخاء إقتصاديا وإستقرارا أمنيا، أو ازمة تهدد الكيان اللبناني برمته.