كتبت صحيفة العربي الجديد تقول:
عادت لغة التصعيد لتخيّم على التوتر الإيراني الأميركي، مع تبادل الطرفين رسائل تهديدية، فبعد ساعات من إعلان واشنطن إرسال قوات إضافية إلى المنطقة، ردت طهران بالتهديد بإغراق السفن الحربية الأميركية في المياه الإقليمية. على الرغم من ذلك، بقي المسؤولون الإيرانيون متمسكين بقناعتهم بأن لا إمكانية لوقوع حرب، وهو ما يطرح تساؤلات عن وجود قنوات اتصال بين الطرفين لمنع انزلاق الأوضاع إلى مواجهة عسكرية، خصوصاً بعد تأكيد طهران أمس خبر لقاء وزير خارجيتها محمد جواد ظريف بالسيناتورة الأميركية البارزة ديان فاينشتاين في نيويورك، وذلك فيما توجّه ظريف في زيارة مفاجئة إلى العاصمة العراقية بغداد أمس.
وبعد إعلان الإدارة الأميركية إرسال 1500 جندي أميركي إضافي إلى الخليج، ومبيعات أسلحة بقيمة 8,1 مليارات دولار لكل من السعودية والإمارات والأردن لـ”ردع إيران”، وصفت السلطات الإيرانية هذا التصعيد بـ”الخطير للغاية للأمن والسلام الدولي”. وعلّق ظريف، في تصريحات صحافية أمس، على إعلان الإدارة الأميركية نيتها إرسال قوات إضافية إلى المنطقة، بقوله إن ذلك يعتبر “خطراً كبيراً للغاية على الأمن والسلام الدولي”، داعياً إلى “التصدي لهذه الخطوة”. واتهم واشنطن بـ”طرح مزاعم لتبرير سياساتها العدائية وخلق التوتر في الخليج الفارسي”.
في السياق، قال السفير الإيراني في الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي، إن هناك عقبات تحول دون إجراء حوار أميركي إيراني، أولاها سياسة الترهيب والعقوبات، مضيفاً كما نقلت عنه وسائل إعلام أمس أن إدارة دونالد ترامب لا تتحدث بصوت واحد وهناك من يتوقون لتخريب إمكانية الحوار مع إيران.
لكن مساعد قائد الجيش الإيراني، الجنرال أمير سيفي، كان يقول في مقابلة مع وكالة “مهر” الإيرانية، تعليقاً على التحركات العسكرية الأميركية في المنطقة، إنه “لا إمكانية لوقوع حرب أبداً وفي حال وقعت أي حرب فقواتنا المسلحة على أهبة الاستعداد وستقوم برد يجعل العدو نادماً”. وأضاف سيفي “نحن على قناعة أن العقلاء والقادة العسكريين ذوي الخبرة في أميركا لن يسمحوا للعناصر المتطرفة بجرهم إلى مستنقع الحرب، سيكون الخروج منه صعباً للغاية، ولهذا السبب لن تدخل الإدارة الأميركية في حرب وفي حال ارتكبت هذا الخطأ، سترد قواتنا المسلحة بكل عزم”. وأوضح أن واشنطن “لديها تقييم صحيح عن قدرات القوات المسلحة الإيرانية، ما يمنعها من التفكير بأي عدوان”، قائلاً إن “الأعداء يستخدمون أساليب مختلفة للوصول إلى أهدافهم، منها بث الشعور باللاأمن بين الإيرانيين”.
ولكن على الرغم من استبعاد طهران للحرب، إلا أنها واصلت رفع تهديداتها. وقلّل المستشار الأعلى للقائد العام للحرس الثوري الإيراني، مرتضى قرباني، من أهمية إرسال واشنطن سفناً حربية وآليات عسكرية إلى المنطقة، وقال إنه “في حال ارتكبت حاملات الطائرات الأميركية أي حماقة صغيرة” فإن بلاده تمتلك “صاروخين جديدين سريين للغاية، تلقي بهذه الحاملات إلى قاع البحر بطواقمها وطائراتها”. واستبعد وقوع مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، معتبراً أن الهدف من طرح “احتمال حرب أميركية على إيران” هو “ترهيب الشعب الإيراني بغية فصله عن نظام الجمهورية الإسلامية”.
من جهته، وصف القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني، قائد قاعدة “خاتم الأنبياء”، اللواء غلام علي رشيد، التوتر الحالي بين بلاده والولايات المتحدة بأنه “مواجهة مفصلية لأن العدو خيّرنا بين الحرب أو الفوضى”، مخاطباً واشنطن بقوله “لا تخيفونا من الحرب فنحن اكتسبنا عزتنا بدمائنا واليوم مستعدون لأي وضع”. وأكد رشيد في كلمة له خلال جلسة للبرلمان الإيراني أنه “لا يمكن الحديث عن أمن مضيق هرمز من دون أخذ مصالح إيران وصادراتها النفطية بعين الاعتبار”، قائلاً “نحذر العدو أنه إذا أخطأ فسيتحمل خسائر فادحة”. وأضاف أن “العدو” يخاف من قدرات بلاده العسكرية ونفوذها الإقليمي.
مقابل هذا التوتر، تظهر مؤشرات على وجود كوابح لمنع انزلاق الأوضاع إلى مواجهة عسكرية. وبرز أمس تأكيد وزارة الخارجية الإيرانية نبأ لقاء ظريف بالسيناتورة الأميركية البارزة ديان فاينشتاين، خلال زيارته الأخيرة إلى نيويورك الشهر الماضي. لكن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، قلل من أهمية اللقاء، قائلاً إنه “منذ أكثر من عقدين تحصل مثل هذه اللقاءات مع النخبة السياسية الأميركية غير الحكومية من بينهم أعضاء الكونغرس”. وأضاف موسوي أن “هؤلاء الأشخاص ليسوا مسؤولين حكوميين ولا هم يملكون صلاحية للتفاوض ولا المسؤولين الإيرانيين يتفاوضون معهم”. وأكد أن “اللقاء يهدف إلى الحيلولة دون تأثير مجموعات ضغط مثل مجموعة (ب) على الشريحة السياسية والرأي العام في أميركا”. وتشير مجموعة “ب” إلى مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
وأثار اللقاء انتقادات من المشرعين الإيرانيين المحافظين، وقال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، محمد حسين نقوي حسيني، إن البرلمان “سيستوضح من ظريف حول اللقاء”، وفقاً لما نقلت عنه وكالة “فارس” الإيرانية.
مقابل ذلك، كشفت وكالة “رويترز” نقلاً عن مسؤول أميركي لم تسمّه أن الولايات المتحدة فوّضت العراق “بإبلاغ الإيرانيين بأنه لن يكون هناك إنكار مقنع عند وقوع هجمات على أميركيين في العراق”، بعد أن أشارت المخابرات الأميركية إلى استعدادات لهجوم محتمل لمليشيات تدعمها إيران في العراق. كما نقلت الوكالة عن دبلوماسي أوروبي كبير لم تسمه، تشديده على أهمية الاتصال بين كبار المسؤولين الأميركيين والإيرانيين كي لا يتضخم أي حادث عارض ويصبح أزمة. وأضاف الدبلوماسي “آمل أن تكون هناك قنوات لا تزال قائمة كي لا نمضي بلا وعي إلى وضع لا يريده أحد… الخطاب الذي نشهده ينذر بالخطر”.
وامتنعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس عن توضيح كيف ستتواصل الإدارة مع إيران في حالة حدوث أزمة ما، لكنها قالت “عندما يحين وقت الحديث، نحن على ثقة من أننا سنمتلك كل وسائل القيام بذلك”. وأضافت قائلة إن “حملة الضغط القصوى” التي تمارسها الإدارة على إيران تهدف إلى إجبار قادتها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وتابعت “إذا كان الإيرانيون على استعداد للمضي في تغيير طريقتهم والتصرف كدولة طبيعية… فنحن على استعداد للتحدث معهم”.