ليبانون تايمز ـ الدكتور مجتبى مرتضى
ليل أكياس النفايات المرتبة والمنظمة بالأمس والتي لا تشبه نفاياتنا المكدّسة في المناطق والمطامر من دون أن تجد الدولة بعد سبيلاً للتخلص منها ومعالجتها، يُظهر حالة الفصام والفوضى التي يعيشها مجتمعنا ونخبه “الثائرة”.
هي في معظمها، لا ترى في الحَراك الا حلم الحلول محلّ الطبقة السياسية الحالية، خاصة وأن معظم هؤلاء إما من المبعدين أو المطرودين من الأحزاب السياسية أو من فاقدي الأمل بالوصول إلى السلطة من خلال أحزابهم السابقة أو حتى من الحالمين دون تجربة سياسية حقيقية تخولهم تصّدر المشهد السياسي. والاّ فكيف للنفايات المنقولة في مواكب منظمة يقودها شبان وسيدات يعملون بتنظيم عالي الدقة وهم من غير الذين خطّ التعب على وجوههم خطوطه ولا يشبهون الموظفين المصروفين من أعمالهم ووظائفهم بسبب الضائقة المالية القابضة على الوطن من شماله إلى جنوبه مروراً بسهله وجبله، أن تُقنعنا بأن هذه التصرفات المستوردة تصبّ في مصلحة الناس الثائرون لأجلها، المتحمسون للدفاع عن مصالحها والساعون لتحقيق أحلامها وآمالها بغدٍ أفضل.
بعد قرابة الشهرين على الحراك، النقاشات السياسية الملونة وخاصة في بعض الخيم المنتشرة على إمتداد الساحات بدأ يتسرب منها روائح أنتن من روائح نفاياتنا ومستويات خطيرة من اللاوطنية والعمالة والإرتهان لمشاريع خارجية تصب في مصلحة العدو الصهيوني وعملائه.
لقد أصبح لزاماً على الجميع تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية قبل الوطنية والبحث عن المخارج المناسبة للإستفادة مما تحقق على الأرض من نتائج مهمة بهمّة الحراكيين الصادقين الذين تلاقت مساعيهم مع النوايا الصادقة من بعض ما تبقّى من “رجال دولة” وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري والذي يُحسب له تغريده بعيداً عن كل الطبقة السياسية المتخبّطة حينما أقرّ لهم ومنذ الأيام الأولى بحق التمثيل في الحكومة (دون الدخول في لعبة الأعداد والأرقام)، ولو أن هذا الأمر يعطيهم حجماً اكبر مما يستحقون خاصة وأنهم لم يستطيعوا إلى الآن تكوين النواة الصلبة لتجمعهم وتحويل هذا الحراك إلى مشروع سياسي يمكن أن يلعب دور المراقب والمحاسب من الداخل انسجاماً مع مقتضيات النظام السياسي الحالي.
لا شك، أن الكثيرين يسعون إلى ركوب موجة الحراك والتسلق على اكتافه للوصول إلى أهدافهم سواءً أكانت السلطة أو حتى الفوضى الخلاقة التي تدمر الكيان وتقضي على الآمال بالخروج من هذا النفق المظلم. ونحن هنا لا نناقش في أحقية كل الناس في الوصول إلى الحكم في ظل الأنظمة الديمقراطية ولكن يحق لنا أن نناقش الأسلوب المتبع في تحقيق هذا الهدف.
لقد أثبتت التجارب التاريخية في لبنان أن الوصول إلى الحكم عن طريق القوة لا ينجح، بل أنه يرتد سلباً على أصحابه وخراباً على البلد وأن هناك خطوطاً حمراً لا يمكن تجاوزها. ثم أن الأغلبية من الناس لم تقل كلمتها في هذا الشأن (وهذا ما سنتناوله في مقال لاحق)، لذلك فإن عدم الأخذ بالحسبان لخط الرجعة من قبل هؤلاء وفي الوقت المناسب وهو بالمناسبة أصبح ضاغطاً على الجميع لا يخرج عن أمرين إما جهل بالسياسة وأدواتها وإما أمر عمليات لإطالة حالة الفوضى. وللفكرة الأخيرة مبرراتها إذ أنها تصب في “مصلحة” شريك أساسي في الحكم ومسؤول مباشر عن كل السياسات الإقتصادية في البلاد في العقود الثلاثة الأخيرة…
إن العمل بالسياسة في لبنان وفي ظل غياب الخطوط العريضة لسياسات الدولة وخاصة الخارجية منها يفترض وجود رجال سياسة يقدمون مصالح الوطن على حساب المصالح الصغيرة، يمارسون دورهم انطلاقًا من أهداف واضحة يقع على رأسها الحفاظ على الكرامة الوطنية والتي يمكن أن يكون أحد أمثلتها “ترسيم الحدود البحرية”….
أما الركمجة فهي أن تحسن ركوب موجتك وهذا يكون بالاستعداد والتدريب وحسن الدراية، لا في الدخول في أمواج الآخرين، لأن الرياضة أساسها الأخلاق. كذلك السياسة الوطنية يجب على لاعبيها التحلي بالأخلاق الرياضية.