عبير شمص – ليبانون تايمز
استطاع البقاع أن يخلع عنه رداء الطائفية لا بل إنه لم يرتديه حتى، ففي هذه المنطقة بالتحديد لا يقيمون وزناً لانتمائهم الطائفي بقدر انتمائهم المناطقي لمنطقة محرومة…. في البقاع حيث تستأنس قرية مسيحية بمحيطها الإسلامي، واخرى مسلمة تطيب جيرتها بالقرى المسيحية من حولها، يقدم البقاع نموذجا للعيش المشترك، فالتعايش الإسلامي_المسيحي بين الطائفتين حقيقة وواقع يلمسه اللبنانيون جميعا.
لعل الحرمان والإهمال ولامبالاة الدولة والتهميش كلها شكلت نقاطا جامعة للبقاعيين من كل الطوائف، فالهموم كانت واحدة، كلاهما المسلم والمسيح على حد سواء يسعى ويكدّ ليل نهار ليؤمن قوت يومه له ولعائلته، كلاهما يعاني من الواقع المرير للمنطقة، فالبطالة والازمات الاجتماعية تطال الطرفين ولا تميز بين طائفة وأخرى، لذلك وجد المواطن البقاعي نفسه بمنأى عن كل الخلافات الطائفية والمذهبية، ويتحدث عن هذا الموضوع لليبانون تايمز رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري، لافتاً أن لهذه المنطقة خصوصيتها في موضوع التعايش الإسلامي_ المسيحي، فتاريخ المنطقة في الفترة السابقة يتكلم عنها، ففي ذروة الحروب الأهلية اللبنانية وحروب المحاور حيث كان لبنان يعيش تجربة مرّة وصعبة كانت منطقتنا في البقاع محايدة تماماً عن أجواء الحرب وعن خلفياتها الطائفية التي كانت إسلامية – مسيحية.
ويضيف الحجيري ان التعايش في البقاع هو على كافة المستويات، ففي المناسبات الدينية المسيحية والإسلامية (القداس، ولادة الرسول، المجالس العاشورائية ، افتتاح الكنائس، الجنّاز) لا تميز بين الحضور المسيحي والمسلم، نتابع معهم كل الطقوس والصلوات وهم كذلك، لا أذكر ان أساء طرف لآخر، معتبرا أن هناك مسألة مهمة يتفق عليها أهالي البقاع هي أن الانتماء يختلف عن التعصب، وهذا ما يبعث على الارتياح ويوفر للمنطقة الاستقرار، كلّ له ديانته، المسلم في جامعه والمسيحي في كنيسته، ولكن يرافق ذلك الكثير من التقبل للآخر والتواصل المستمر.
الصورة التي يقدمها البقاع في موضوع التعايش المشترك صورة عريقة تمتد من القدم وتستمر حتى اليوم، فهذا التمازج والتاريخ المشترك يظهر بأبهى حلله في دير جبولة وجميع الاديرة حيث يستقبلون الأيتام والطلاب من كافة الطوائف ويتعاطفون معهم والمسلم قبل المسيحي، وتروي إحدى الراهبات انه في إحدى الأزمات الاقتصادية وقد فقدت مادة الطحين من الأسواق، كان جيران الدير وهم من طائفة أخرى يجمعون ما لديهم من الطحين، وكنا نتعاون سويا لإنتاج الخبر لايتام الدير بعيدا عن العصبيات والحسابات الطائفية.
أما بالنسبة لما تحمله الحروب الأهلية من عصبيات ومن مظاهر مرافقة فإنها لم تكن مألوفة يوماً ما في البقاع، هو وعي من جهة لمخاطر هذه المظاهر، وإرادة مشتركة بالنأي بالمنطقة عن أي أحداث ذات صبغة أو وجه طائفي، وهنا يقول الحجيري أن البقاع وبعلبك _الهرمل من المستحيل أن يقيم حواجز في المنطقة على خلفيات سياسية وطائفية حتى البقاعيين الذين انخرطوا في الحرب الأهلية انخرطوا في بيروت بعيدا عن البقاع ، وكانوا يخلعون بذاتهم العسكرية قبل أن يصلوا أرضه، مؤكداً أننا في البقاع تربينا على هذا وسنربي أولادنا كما تربينا.
بدوره، يعتبر المحامي يوسف سعود روفايل من بلدة رأس بعلبك البقاعية في حديث لليبانون تايمز أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في البقاع علاقة متجذرة في النفوس يحكمها الوعي ومجموعة من القيم كالحب والنخوة والكرم والتسامح التي يتحلى بها الطرفين، تلك القيم التي اورثونا اياها الجدود، ومع كل الحروب الطائفية التي حدثت في لبنان، نحن في منطقة البقاع لم نشعر يوما أن هناك فرقا بين قرية واخرى لا بل على العكس كان البقاع وكأنه قرية واحدة متآلفة بجميع اطيافها.
التعاون في ظل ظروف الحياة الصعبة كان بأبهى صوره، يداً بيد يواجهون الصعاب، ويروي روفايل أنه في مجرى نهر في سهل رأس بعلبك، أرض زراعية يتشاركون عليها أهل رأس بعلبك والعين وعرسال على المواشي وعلى زراعة الأراضي، شراكة عمرها مئات السنين نتوارثها من الجد الي الابن إلى الحفيد، وهذا صورة حقيقية للتعايش لا مجرد نظريات.
هكذا هو البقاع رحب الصدر لكل اطيافه،يقدم صورة حقيقية للعيش المشترك خالية من نبرة الخطابات، كيف لا والحادثة الشهيرة للسيد الإمام موسى الصدر صاحب العمامة الشيعية الذي وقف وتوجه الي البقاعيين يوما ما لحماية المسيحيين في البقاع في شليفا ودير الأحمر ورأس بعلبك والقاع وقال إن من يطلق رصاصة على هذه المناطق كأنه يطلقها على عمامتي ومحرابي وجبتي …
هذه الحادثة التي ما إن تذكر التعايش الإسلامي المسيحي حتى يرويها لك الجميع وقد حفظوها عن ظهر قلب المسيحي قبل المسلم والصغير قبل الكبير، هذه الحادثة التي شكلت مدخلا حقيقيا للتعايش المشترك.