عبير شمص – خاص ليبانون تايمز
المصداقية في خطر، والموضوعية على المحك، والتضليل الإعلامي قد بلغ مداه لدى بعض القنوات الإعلامية، حقائق مشوهة هنا، وأخبار مسيسة ومفبركة هناك، وتحريض وفتنة، وعلى الإعلام السلام، للأسف كل هذه الأمور كشفتها التغطية الإعلامية المباشرة للاحتجاجات الشعبية في المناطق اللبنانية، حيث رمى بعض الإعلاميين والمراسلين الكثير من مهنيتهم وتخلوا عن مصداقيتهم متبنين نهج قنواتهم أو منجرين احيانا وراء انتماءاتهم الحزبية والسياسية، فسقطت عنهم صفتهم كاعلاميين.
يحصل ذلك للأسف في ظل غفلة وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام، وغياب التشريعات والقوانين اللازمة لضبط وعقلنة العمل الإعلامي، حيث يحكم هذا الأخير قانوني، قانون المطبوعات وقانون الإعلام المرئي والمسموع أو قانون البث الإذاعي والتلفزيون.
وفي قراءة تقييمية للتغطية الإعلامية الأخيرة للاحتجاجات الشعبية، يلفت الإعلامي والمحلل السياسي علي حجازي إلى أن التقييم عادة ما يرتبط بالموقع السياسي للشخص، قسم رأى أن هذه التغطية مسيسة ولديها أجندة، وفي المقابل قسم آخر اعتبر أن هذه التغطية تنقل هموم الناس، مؤكدا أن من يقف على الحياد يصل إلى الخلاصة التالية أن وسائل الإعلام انساقت إلى خطاب الشارع بلا ضوابط، مما يدفع جزء من المتابعين للسؤال لماذا؟ متاسفا أنه في لبنان لا يوجد اعلام مستقل، فالإعلام مسيس بالمطلق فإما محسوب على جهات سياسية واضحة، واما إعلام يتأثر بالجو العام والاهواء السياسية سواء كان إعلاما مكتوبا أو مرئيا ومسموعا.
وفي الوقت الذي يفترض على الإعلام اللبناني أن يكون مسؤولا وعلى قدر كبير من الوعي لا سيما في الأزمات نظرا للدور الكبير الذي يلعبه في تكوين الرأي العام والتأثير في خياراته وأحياناً توجيهه، يشدد حجازي أنه يتوجب على الإعلام اللبناني أن يكون أكثر وعيا لخطورة فتح المنابر بشكل عشوائي أمام الخطابات غير المسؤولة حيث أن بعض المشاهد ساهمت في خلق استفزازات وتوترات، كان على الإعلام ان يكون اكثر حرصاً وأكثر دقة وأن يفتح منابره لحلقات حوارية بين الناس، لا تشجيع الناس على التحرك على الأرض لأن بعض التحركات في مكان ما وضعت البلد على كف عفريت.
ولعل حقيقة المشهد الإعلامي كانت بجزء كبير منها تتنافى مع أخلاقيات المهنة مع المصداقية والحيادية والموضوعية ومراعاة الاعتبارات الوطنية، وهنا يقول حجازي للأسف هناك جزء كبير من المراسلين بدوا مستفيدين من إعطائهم الصلاحية المطلقة بفرض خلفياتهم السياسية واحيانا توجههم.
وفي الوقت نفسه هناك العديد من القنوات التلفزيونية عملت على محاولات التضخيم الإعلامي لناحية الحشود وذلك لتحفيز الناس على النزول الى الشارع، ويلفت حجازي إلى أن هذا الأمر ليس من مسؤولية وسائل الإعلام، مضيفا أن هذه القنوات ذهبت إلى أبعد من ذلك حيث جهدت في تغييب الرأي الآخر ومسؤولي وجماهير السلطة عن البرامج التلفزيونية واعتبارهم في موقع الضعيف.
وهنا ومن خلال رصد القنوات التلفزيونية في ادائها الإعلامي نلحظ ان الهوة كبيرة بين هذا الاداء وبين أخلاقية المهنة وضوابطها، بحيث تنقل هذه القنوات والوسائل اخبارا عارية من الصحة ولا اساس لها متجاوزة كل الاعتبارات الوطنية والمصلحة الوطنية العليا، وهنا يلفت حجازي إلى أننا في بلد، رصاصة واحدة وعبارة واحدة قد تأخذنا الي مكان آخر مضيفا أننا بحاجة إلى متابعة موضوع الإشاعات الكاذبة والبيانات المختلقة التي تطلق عبر الوتساب من إطلاق نار وتوترات واعلان حالة طوارئ وإغلاق مصارف، هذه الإشاعات تؤدي إلى توتر غير مسبوق علماً أن الكثير من المعلومات غير صحيح وغير دقيق لا بل مفبرك.
ويشير حجازي الى أن كل شيء في البلد مقسم طائفيا ومناطقيا حتى الأفران والطحين يخضعا لاعتبارات طائفية، وهكذا هي وسائل الإعلام وللأسف فإن تأثير ذلك سلبي بشكل كبير، لا سيما وأن جمهور هذه القنوات قد لا يكون منضويا تحت لواء الأحزاب والطوائف، وبالتالي يكون ملزما بمتابعة قنوات محزبة مسيسة يتأثر بها مرغما، مشدداً على أننا بحاجة إلى إعلام مستقل ينقل الحقائق بعيداً عن اجندات خارجية وبعيدا عن حماس المراسلين لنكون امام وسائل إعلامية تنقل الواقع كما هو.
كل هذه الأمور تدفعنا للسؤال أين القانون من كل ما يحصل، لا بل أين التشريعات التي من شأنها وضع حد لانجرار القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام والاعلاميين لتنفيذ اجندات بعيدة كل البعد عن جوهر العمل الإعلامي وقدسيته، يقول حجازي للأسف ان القانون ليس مغيبا في الإعلام فقط وإنما هو خارج الخدمة إعلامياً وسياسيا، متمنياً على نقابة الصحافة ونقابة المحررين والمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع ان يتحركوا جلسة لتقييم ووضع معايير وضوابط والخروج بورقة توصيات أو ملاحظات حول ما هو مسموح وما هو غير مسموح لانه لا يجوز ابدا تجاوز الاعتبارات الوطنية والامنية والمشاركة في التحريض، نحن بأمس الحاجة إلى عقلنة كل شيء بما في ذلك عقلنة الادارة الإعلامية.