محمد علوش
توقيعه قبل أكثر من ثلاثة عقود، ظلّ اتفاق الطائف بالنسبة إلى اللبنانيين نصاً مؤسِّساً لمعادلة سياسية جديدة، لكنه بقي في التطبيق نصاً مجتزأً، أُخذ منه ما يكرّس التوازنات الداخلية القائمة، وتُركت منه البنود التي كان يُفترض أن تُشكّل قفزة نوعية في النظام السياسي، نحو دولة أكثر مدنية وتمثيلا وعدالة
على الورق، نصّ الاتفاق على إصلاحات جوهرية أبرزها إلغاء الطائفية السياسية تدريجيا، إنشاء مجلس شيوخ يضمن تمثيل المكوّنات الطائفية في القضايا المصيرية، وضع قانون انتخابي خارج القيد الطائفي يعتمد الدوائر الكبرى، وإعادة توزيع الصلاحيات بين السلطات على نحو يمنع الاحتكار، ولكن في الواقع، ما نُفذ كان أقرب إلى”تسوية نصف الطريق” التي أبقت جوهر النظام كما هو، وفتحت الباب أمام إعادة إنتاج الأزمات نفسها.
اليوم، يعود الطائف إلى الواجهة من بوابة جديدة، بفعل ضغط داخلي وخارجي متصاعد، عنوانه العريض هو حصر السلاح بيد الدولة واستعادة قرار الحرب والسلم وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية حصراً. وفي هذا السياق، يجد “الثنائي الشيعي” نفسه في قلب العاصفة السياسية، لأنّ النقاش حول السلاح يضعه في خانة الدفاع الدائم، وكأن المعركة تُختزل في بند واحد، هو سلاح حزب الله، بعيدا عن بقية عناصر المعادلة الوطنية، وهو ما يُبقي أيضاً الطائفة الشيعية محصورة بفكرة “السلاح” فقط.
وفق مصادر قيادية في الثنائي الشيعي، هناك إدراك متزايد بأن البقاء في موقع الدفاع عن السلاح فقط، يضعف القدرة على المبادرة السياسية، ويُبقي المعركة ضمن ملعب الخصوم. لذلك، ينمو داخل أروقة القرار رأي وازن بضرورة الانتقال إلى هجوم سياسي منظم، بحيث لا يقتصر النقاش على “رفض تسليم السلاح”، وتعبئة المجتمع الشيعي نحو هذا الإتجاه فقط، بل يُفتح الباب على “تطبيق كامل الطائف”، وبشكل فوري لا يقبل الإنتظار، بما فيه البنود الإصلاحية الكبرى التي جرى تعطيلها لعقود.
هذه المقاربة، وفق المصادر، تنطلق من معادلة بسيطة تقول أنه إذا كان الهدف المعلن هو تنفيذ الطائف، فلنذهب إلى تطبيقه كاملاً، لا انتقائياً، علماً أن مسألة السلاح التي وردت في البيان الوزاري لم تكن يوماً محطّ خلاف، بل المشكلة بالتوقيت وما يُفترض ان يسبقها من تحرير للأرض اللبنانية ووقف العدوان الإسرائيلي وبناء جيش قوي قادر على الحماية، إنما بحال كان النقاش حول الطائف فليكن كل “الطائف”، أي أن يُفتح الملف من بابه الواسع.
تُشير المصادر عبر “النشرة” إلى أن مطلب إلغاء الطائفية السياسية، تشكيل مجلس شيوخ، إعداد قانون انتخابي على أساس لبنان دائرة واحدة أو المحافظات كدوائر كبرى، خارج القيد الطائفي، سيكون عنوان المرحلة المقبلة، وبذلك، يتحول النقاش من هجوم مركز على سلاح الحزب، إلى مواجهة سياسية أوسع تضع الخصوم في موقع الدفاع عننظامهم الطائفي الذي يمنحهم امتيازاتهم.
في حسابات هذا الرأي، تبنّي هذه المطالب سيعني أنّ من يرفع شعار “تطبيق الطائف” سيجد نفسه أمام اختبار حقيقي، فإما أن يقبل بالإصلاحات الجذرية التي نص عليها الاتفاق، والتي قد تغير وجه النظام اللبناني، أو أنينكشف على أنه يستخدم الطائف كأداة ضغط انتقائية ضد طرف بعينه. وهنا، يصبح الثنائي في موقع “المطالب بالإصلاح”، لا “المتهم بالممانعة”، علماً أن رئيس الحكومة نواف سلام يحمل الطائف بين يديه ويُريد تطبيقه كاملاً.
هذه الخطوة، بحسب المصادر، إذا ما نُفذت بذكاء سياسي وإعلامي، يمكن أن تعيد رسم المشهد الداخلي، وتضع القوى المناوئة للسلاح أمام معضلة مزدوجة، فمن جهة مواجهة مطلب شعبي قديم بإلغاء الطائفية السياسية،والدفاع عن نظام انتخابي طائفي هش، ومن جهة أخرى وفي الوقت نفسه الاستمرار في الحملة ضد الحزب.
ما يجري التفكير به داخل الثنائي ليس مغامرة، بل إعادة تموضع في معركة سياسية طويلة الأمد. فالانتقال من الدفاع إلى الهجوم يعني أن السجال حول السلاح لنيُحسم عبر الضغط الخارجي وحده، بل سيُربط بإصلاحات داخلية كان اللبنانيون يطالبون بها منذ سنوات، لكن لمتجرؤ القوى الحاكمة على لمسها.
“كذلك لن يبقى ملف السلاح ملفاً وحيداً على طاولة الحكومة، فالبلد يُعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة والوزراء المعنيون بها غائبون يُمارسون الكيدية السياسية، وهو ما يجب ان يتم الإضاءة عليه، ففي لبنان اليوم عاد إنتاج الكهرباء إلى الحدّ الادنى، والتوزيع يشهد استسنابية كبيرة، كذلك مسألة الاتصالات والانترنت، وغيرها الكثير”، تقول المصادر.
المرحلة المقبلة، إذا ما سار هذا التوجه، قد تشهد إعادة فتحملف الطائف من جديد، ولكن هذه المرة من منظور شمولي، يربط السلاح بالإصلاح، والقرار الوطني بسيادة الدولة، والديمقراطية الحقيقية بتجاوز القيد الطائفي. وحينها،سيتغير شكل المعركة بالكامل، بحسب وجهة نظر المصادر القيادية في الثنائي الشيعي.
اخر التعليقات