كشفت مصادر واسعة الاطلاع لصحيفة “الجمهورية” عن أنّ “زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت لم تكن مقرّرة اساساً. وعندما قرّرها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وصلت اشارات الى بيروت تؤكّد خلوّ جعبة لودريان من أي طرح نوعي، وانّ الغاية الأساس هي اعداد تقرير حول الملف الرئاسي (وهو ما اشار اليه لودريان في محادثاته)، لتغذية ملف الرئيس الفرنسي الذي سيحمله معه الى لقائه المقرّر بعد ايام قليلة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، بصورة الواقع اللبناني. علمًا، انّ هذه الصورة في حوزة باريس بتفاصيلها، إن عبر مواكبتها المباشرة، او عبر شراكتها في اللجنة الخماسية، ولا تحتاج بالنسبة اليها، الى تجميع جديد”.
وبحسب المصادر عينها، فإنّ “جهات سياسية لبنانية، انطلقت من قراءة الفشل المسبق لزيارة لودريان قبل حصولها، وخصوصاً انّه لا يحمل ما من شأنه ان يفتح مساراً لانفراج رئاسي، ووجّهت إلى الجانب الفرنسي نصيحة مفادها انّ لودريان بزيارته في الوقت الراهن الى بيروت، لم يحقق شيئاً، فالأجدى لو يتمّ تأجيلها الى ما بعد حصول لقاء ماكرون – بايدن، التي يُقال انّها ستتناول الملف اللبناني، فعندها يمكن أن يأتي الى بيروت لأي مهمّة، مدعماً بما قد يصدر عن الرئيسين الفرنسي والاميركي حول لبنان”.
إزاء ما استجد، أكّد مرجع مسؤول لـ”الجمهورية”، ردًا على سؤال حول مصير انتخابات رئاسة الجمهورية أنّ “ما من شك انّ فشل مهمّة لودريان يشكّل خسارة معنوية للفرنسيين، واما خسارتنا نحن فمسلسل متواصل. فالملف الرئاسي كان قبل الزيارة، وما زال بعد الزيارة، ثابتاً خارج مسار الحل والتوافق. هناك تعطيل واضح، وهناك “فيتوات” من قبل دول “الخماسية” على مرشحين معيّنين. هي تنفي ذلك في العلن، اما في داخل الغرف المغلقة وفي الممارسة فتؤكّد على ذلك بصراحة مطلقة، ولودريان تحرّك في مهّمته الأخيرة تحت سقف هذه الفيتوات، في اتجاه ما سمّاه «تشاوراً» يؤدي الى ما وصفه امام بعض النواب الخيار الثالث”.
ووفق معلومات “الجمهورية”، فإن لودريان عقد لقاء وصف بغير المريح مع رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، حاول فيه إقناع فرنجية بالانسحاب من المعركة الرئاسية، وهو الأمر الذي رفضه فرنجية مؤكّداً مضيه فيها. كما انّ “حزب الله” قطع الطريق على أي خيار ثالث، بتأكيد رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد امام لودريان، اولاً على ما مفاده أن لا رابط على الاطلاق بين الملف الرئاسي والملف الجنوبي، حيث أننا مع اجراء الانتخابات الرئاسية اليوم قبل الغد وتحت سقف التوافق. وثانياً على أننا، إزاء ما نراه في غزة، بتنا أكثر تمسكاً واصراراً على دعم المرشح الذي ندعمه. وخصوصاً انّ المرحلة المقبلة تتطلّب رئيساً للجمهورية لا يجامل الاسرائيليين، ولا من يدعم الاسرائيليين”.
في هذا الواقع المعقّد والمضبوط على إيقاع التعطيل ورفض التوافق، وفق ما أكّد مصدر رسمي رفيع لـ”الجمهورية”، فمن “الطبيعي جدًا ألّا تنفع كل الحراكات التي حصلت في فتح المسار الرئاسي، وخصوصاً انّها جميعها تحركت -ومن ضمنها مهمة لودريان- ضمن مسار يلبّي فقط ما ترمي اليه جهات رافضة للتوافق على رئيس للجمهورية. ومن هنا، وبناءً على النتيجة التي شهدناها جميعاً، أجزم بأنّ لودريان في زيارته الأخيرة طوى صفحته، لا عودة جديدة له الى بيروت، ومعلوماتي نقلاً عن أحد سفراء اللجنة الخماسية، أنّ جدول اعمال اللجنة، بات خالياً من أيّ حراك او لقاءات جديدة مع اللبنانيين، يعني عملياً أنّ اللجنة جمّدت مسعاها من دون ان تعلن عن ذلك. ويعني ذلك ايضاً انّ الملف الرئاسي بات متروكاً في مهبّ التعطيل ورفض التوافق، لفترة غير محدّدة بسقف زمني، يعني تعطيلاً مفتوحاً، لا شيء يمنع، والحالة هذه، أن يمتد الى سنة على الاقل، وربما الى ما بعد نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي”.
في الجانب الآخر من الأزمة الداخلية، علمت “الجمهورية” أنّ مستويات رسمية تلقّت اشارات خارجية تفيد بسعي لدى بعض الدول لإعادة تحريك ملف الحل السياسي لمنطقة الحدود الجنوبية في المستقبل القريب.
وإذا كانت الدول المعنية ببلوغ هذا الحل، وتحديداً الولايات المتحدة الاميركية، باتت مقتنعة باستحالة بلوغه قبل توقف العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، الّا انّ مصادر المعلومات لفتت الى انّ “الهدف الاساس من هذا التحريك، هو بلوغ هذا الحل إن امكن ذلك، او حسم بعض الاجراءات المرتبطة به، وذلك استباقاً للاستحقاق الأممي في شهر آب المقبل، على اعتبار انّ هذا الشهر هو شهر التمديد السنوي لعمل قوات اليونيفيل في الجنوب”.
وأكّدت معلومات موثوقة لـ”الجمهورية” أنّ “لودريان أثار في لقائه ملف الحل السياسي لمنطقة الجنوب، حيث قال ما مفاده: “صحيح انّ إمكانية الوصول الى هذا الحل صعبة قبل وقف حرب غزة، ولقد وَصَلنا جوابكم على ورقة الحل الفرنسية، ولكن مع ذلك فعلى الأقل، يجب ان نفكر في وضع آليات معيّنة لهذا الحل، لأننا امام استحقاق في شهر آب”.
حزب الله متمسّك بفرنجية وجعجع يرفض كل المبادرات
إلى ذلك، لخّص مصدر معني لصحيفة “الأخبار” ما سمعه لودريان من رعد، وهو أنّ “الثنائي (أمل وحزب الله) لا يربط مصير الرئاسة بملف الحرب مع إسرائيل على الإطلاق، وإنه في حال رُفعت الفيتوات الخارجية وتُرك اللبنانيون يتحاورون، سوف يصلون إلى نتيجة”، وأن “الحزب لا يزال يدعم ترشيح فرنجية، وهو متمسك به اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولا يعتقد بوجود أي سبب لسحب هذا الترشيح أو دعم خيار آخر”.
وسمع لودريان أن “الحزب لن يشارك في أي حوار لا يدعو إليه بري ويكون برئاسته، وإن المشاورات الثنائية جارية أصلاً ولكنها لا تعني الحوار الوطني العام المنشود”.
وبينما ظهر أن الدور الفرنسي أصبحَ محكوماً بالسقف السعودي والأميركي أيضاً، فإن الانطباع الذي ساد عقب مهمة لودريان هو أن مهمة الرجل صارت في حكم المنتهية مع إحباط محاولته استدراج جميع القوى السياسية إلى حوار تحت عنوان تشاور. ويُمكن الجزم، وفقاً للمعطيات المتوافرة لصحيفة “الأخبار”، أن “وقع هذه الزيارة بالنسبة إلى الموفد الفرنسي كان مختلفاً عن السابق حيث لمسَ من غالبية الجهات “ليونة” تحديداً تجاه موضوع الحوار، وإن اختلفت الآراء حول مبدأ المرشح الثالث. لكن ما لفت لودريان أن رئيس حزب “القوات” سمير جعجع كان أشد المعارضين لفكرة الحوار. وهو رافض لكل المبادرات. وتنقل أوساط مطّلعة عن لودريان عدة ملاحظات سجّلها في لقاءاته مع القوى السياسية”.