أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة التي قال فيها:
“قال تعالى: (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا) سورة الأحزاب.
(وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا). سورة الفتح.”
اضاف: “أولاً وفي البداية لا بدّ من توجيه تحيّة الاعزاز والإكبار إلى غزة شعباً ومقاومةً وشهداء الذين يُسطِّرون كل يوم بل كل ساعة بل كل لحظة ملاحم البطولة والعنفوان في ساحة المواجهة مع أعداء الأمة أعداء الانسانية وأعداء القيم المتمثِّلة بقوى الشر الغربية الغاشمة التي تتستَّر وراء العصابات الصهيونية القتلة.
كما إننا نتوجه بالتحية الى كل قوى المقاومة الشريفة في المنطقة التي تخوض مع نفس العدو معركة الشرف والكرامة معركة المساندة له ومعركتها الخاصة بها، فلكل من شعوبنا العربية والاسلامية معركتها الخاصة مع هذا العدو إضافة الى معركة الأمة، فقد وتر هذا العدو كلاً منها ولكل منها ثأرها الخاص معه إلى جانب الثأر العام المتمثِّل بالقضية الفلسطينية باعتبارها قضية الامة، أما الشعب الفلسطيني فحدِّث ولا حرج فقد اغتُصِبَت أرضه وطُرِدَ شعبه وذُبِحَ أبناؤه ولاحقه حتى في أماكن لجوئه بالقصف لمخيماته والاغتيال لقادته وبالمجازر والذبح للشعب الفلسطيني بعد تشديد الحصار عليه في الداخل فضلاً عن تدمير كل أسباب الحياة لتخويفه ودفعه للجوء إلى دول الجوار لتصفية قضيته وإنهائها إلى الأبد”.
وتابع: “أما لبنان فما ارتكبته العصابات الصهيونية الارهابية في حقّ شعبه من المجازر والقتل والاحتلال لأرضه التي لا يزال قسم عزيز منها حتى الآن تحت سيطرته منذ تأسس كيانهم الارهابي وحتى الآن والتجاوز لسيادته والتدمير لقراه وبناه التحتية وتهديداته بتسوية مدنه وقراه بالأرض التي لا ينفك يُطلِقها واعتداءاته اليومية وخروقاته لسيادته وانتهاكاته التي لا حصر لها للقرارات الدولية وما لا يمكن لنا أن نُحصيه من ارتكابات تطال اليوم السكان بتهجيرهم والتعرّض بالقتل للآمنين ممن قرر عدم ترك قراه وتمسَّكَ بالبقاء فيها وآثرَ أن يستشهد على التهجير، ونَشَرَ الرعب والخوف بين اطفالها وحرمها من الاستقرار والامن وقضى على دورتها الاقتصادية وقضى على ما جمعه أهلها في ديار الهجرة والاغتراب بعرق جبينه ودمر اقتصاد البلاد، وفرضَ الحصار عليها وضَيَّقَ على المغتربين في مغترباتهم ومنعهم من مساعدة ذويهم، ولاحقَ رجال أعمالهم واختطفهم من المطارات واعتقلهم وسجنهم بلا محاكمة وأخذ منهم الفدية كشرط لإطلاق سراحهم ملايين الدولارات، ثم عدا على ما أودعوه في البنوك الى سرقتها وسحبها الى خارج البلاد بواسطة عملائه وأدواته وأوقع الفتنة بين المواطنين بافتعال حروب أهلية دمرت البلاد والعباد وأهلكت الحرث والنسل وتركت ما لا يُحصى من الايتام والارامل والمعوَّقين وهكذا فعل في كل بلد عربي طالته يده، ففَرَّقَ شملها ومزَّق أهلها ودمَّرَ مدنها وبنيانها واغتصبَ خيراتها والزمها دفع الجزية مليارات من الدولارات بعد أن اجبر دولها الغنية على وضع عائداتها المالية في بنوكه وهي عرضة للنهب ووضع اليد عليها في كل مكان.
كما وضع يده على أموال الدول التي خرَّبها وأثار بين أهلها الفتن والحروب فأيّ من دولها كانت في مأمن من هذا الخراب عدا عن الفساد الثقافي والاجتماعي والاخلاقي والمالي والاداري الذي كانت ترعاه وتحمي مرتكبيه، فبالتأكيد ثأران لكل شعب من شعوبنا تطلبهما من هذا العدو، ثأره الخاص وثأر الأمة التي اعتدى على دينها وثقافتها وتاريخها ومقدساتها وقيمها بأبشع صور العدوان وقُهِرَت بأعزّ ما لديها من كرامة”.
واردف: “أيّها الأخوة، إنّ المقاومة اليوم تعني الثأر لكل ما وُتِرت به الامة لعامها وخاصها، ومع ذلك فالخاص هنا عام فلا تخصصوا العام لقد كفانا تخصيصاً وتجزئةً، تَبَّت يدا المخصّصين وحاملي المدي والسكاكين والمبغضين والمفتنين، تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ لن يغني عنه ما ارتكب في حق لبنان وحق المسلمين والعرب ومعه حمالي الحطب الذين يوقدون النار بأقلام تُزيِّن الخيانة وتُزيِّفُ الحقائق بالفجور والصخب فليس هذا بالجديد، وقد وجد للأسف هذا اللون من الانحدار الاخلاقي والعبث بالحقائق من ينقلب عليه، فقد قيل لمعاوية استنكاراً لمقتل عمار في صفين تذكيراً له بحديث رسول الله (ص): “يا عمار تقتلك الفئة الباغية” على يد جيشه فأجابهم: إنّما قتله الذي أتى به”.
وقال: “ولدينا اليوم من يدعي أن من يجلب الدمار والخراب على لبنان إنما هي المقاومة انتصاراً للمنطق الاسرائيلي النابع من الخلفية الطائفية والمذهبية السياسية المتمسِّكة بامتيازاتها لصالح طبقة من المنتفعين بإسم الطوائف وعلى حسابها التي تخدم العدو بالنتيجة من حيث تدري أو من حيث لا تدري، فتُضْعِف المنطق الوطني أمام التحديات التي تواجهه وتُصيب الوحدة الوطنية في مقتل وتُسَهِّل على العدو الوصول إلى أهدافه”.
واشار الى “ان لبنان بفرادة اجتماعه بهذا التنوع الإسلامي المسيحي القادر على جمع أكبر تكتلين لمجموعتين دينيتين في العالم لمواجهة المشروع الإرهابي الصهيوني التلمودي المعادي لقيم السلام في العالم وأن ينتصر لقيم الحق والعدالة المهددة بهذا الفكر التلمودي، وأن يحول دون الكارثة الانسانية التي يسعى إليها هذا الفكر الارهابي بجرِّ العالم الى الحروب والدمار كما يحاول الآن من أجل الخلاص من حبل الموت الذي التفَّ على عنقه ويكاد أن يقضي عليه، فيحاول توسيع نطاق المعركة إلى دول الجوار وتوريط العالم بحرب مدمرة يسعى البعض أن يُلصقها تجنِّياً بالمقاومة باتهاماته المفبركة التي لا تستند إلى اي أساس او منطق”.
وقال: “لقد آن لهؤلاء الذين ما فتئوا وما انفكوا منذ أن كانت المقاومة أياً كانت تسميتها أن تكون هي المتهمة ولم يوجِّهوا يوماً إتهاماً للعصابات الصهيونية مما يجب وضعها محل تساؤل بل ريب بل اتهام ليس عندنا ، فنحن لنا قناعتنا، بل عند جمهور اللبنانيين الذين لا نشكّ في وطنيتهم وإخلاصهم ومحبّتهم لبلدهم، خصوصاً أن الخطر الصهيوني ليس على فئة من اللبنانيين. ومن المؤسف إن البعض ممن تحدثت معهم وهو ينتمي إلى طائفة عزيزة من المكوّنات اللبنانية ولا أريد بهذا أن يُفْهَم كلامي انني أنسب إليها ما قال، فإنما حدثته عن رأيي في أساس وعلة المشكلة اللبنانية وإنها الطائفية السياسية وإن الحل لا يكون إلا بدولة المواطنة، فما كان منه إلا أن انتفض قائلاً: لا يمكن القبول بهذا الطرح لأنكم أنتم الشيعة أصبحتم تُشكِّلون خطراً لان لديكم الكثير من الحائزين على الشهادات العليا والتخصّصات في المجالات المتنوعة، فأجبته: هل المطلوب أن يبقى قسم وازن من اللبنانيين محرومين من التعليم وأن لا يكون لديهم الكفاءة لخدمة وطنهم؟ هل إبقاؤهم خارج المعادلة الوطنية يُحَصِّن لبنان ويجعله مستقراً وبمأمن من المشاكل؟؟.”.
وتابع: “للأسف إن هذا يُعَبِّر عن الخلفية التي تحكم المنطق السياسي الداخلي الجاهلي لبعض الأطراف، ومن المؤسف بقاء الحديث في هذا المربع من الجدل العقيم بينما المطلوب أن نكون في هذا المفصل التاريخي والمصيري للمنطقة والوطن، وما يستدعيه هو أن نُفكِّر معاً كيف نحمي بلدنا من التطورات الخطيرة التي تحدث في المنطقة وعند حدود الوطن الجنوبية والعدو يتهدّد ويتوعّد بتدمير البلد”.
وقال الخطيب: “لقد أثبتت المقاومة منذ قام على تأسيسها الامام السيد موسى الصدر انها لا تسعى سوى لحماية لبنان أمام عدو طامع بأرضنا وثرواتنا وبهذا البلد الرائع الذي لا يمكن لنا أن نتخلى عنه ونحن نحميه كله بدمائنا وأمننا واستقرارنا لنعيش فيه بكرامتنا، ولن نُفرِّط في حبة من ترابه التي لا يعادلها لدينا كل العالم، وان كرامة اللبنانيين كلها واحدة لا تتجزأ وان التميّز الديني لا يجعل له تميّزاً في الكرامة، بل نحن وأعني جميع اللبنانيين سواء في الكرامة كما ذكرت وأن اكرمهم اتقاهم اي أكثرهم حباً وخدمةً لوطنهم وللبنانيين، وان لا كرامة لمن يخون لبنان واللبنانيين سواء بخيانة المسؤولية تجاه الوطن أو المواطنين أياً كان انتماؤه الديني أو المذهبي، فالخائن لا دين له ولا كرامة ولا تعني خيانتُه دينَه أو طائفته أو مذهبه ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).”
اضاف: “من هنا، فإن المقاومة لم يكن همّها يوماً الاستقواء لطائفة على طائفة ، ولم تتأسس المقاومة لاهداف شيعية، ولا أن تأخذ محل الدولة وإنما الدفاع عن الكيان اللبناني في مواجهة العصابات الصهيونية وحماية لبنان إلى جانب الجيش الوطني الذي يدفع الشهداء إلى جانب المقاومة والشعب اللبناني”.
وعن المسألة الداخلية، قال الخطيب: “الجميع على قناعة ونحن الطائفة الشيعية والمقاومة نعرف مثلهم على الاقل ان الاصلاح يحتاج إلى توافق الجميع، كما يعلم الجميع أنها وقفت مُعَبِّراً عنها الامام السيد موسى الصدر ضد الحرب الاهلية، فلا يمكن لا نظرياً ولا عملياً أن نكون ساعين ولا مُحرِّضين ولا مشتركين و لا مُنجَرّين الى أي مشروع فتنة على الاطلاق، ولذلك نحن متمسّكون بالوحدة الوطنية والسلم الاهلي وقد جرب البعض جرّنا إلى حروب داخلية فَفَضَّلنا تقديم الأضاحي والشهداء على أن تستجيب لهذه اللعبة الشيطانية التي كان يطلبها العدو الاسرائيلي وبعض السفارات ومن يرتبط بها، لم نتورط بل هو من المُحرَّمات الدينية والسياسية عندنا وسنمنع وقوع الحرب الاهلية ما وسعنا الى ذلك سبيلاً، وليس عندنا أيها اللبنانيون وايها العرب من عدو الا العصابات الصهيونية مهما كانت الخلافات في وجهات النظر السياسية مع أي طرف داخلي وأياً يكون، وسنسعى دائماً لتضييق مساحة الخلاف مع الآخر السياسي لأنه ليس لدينا مشكلة على الإطلاق مع المتنوِّع الديني أو المذهبي أياً كان فلكم دينكم ولي دين وله منا كل المحبة والتعاون على البرّ والتقوى على قاعدة قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
وقوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)”.
وقال: “نعود إلى العدوان الإسرائيلي والحرب التي يشنّها على لبنان لأقول للجميع: إنّ المقاومة إنما تقوم بعمل ردعي حينما تشغله على الحدود لأن العدو يُصرِّحُ علناً بأنه يريد انهاء القوى المقاومة وعلى رأسها المقاومة اللبنانية التي يعتبرها خطراً على كيانه ومشاريعه التي أعلنها صراحة في الخارطة التي رفعها رئيس وزراء العصابات الصهيونية المحتلة لفلسطين التي لا وجود فيها لدولة فلسطينية حتى دولة المسخ التي تمَّ التوافق عليها مبدئياً ولم يوضع لها لا حدود ولا إمكانيات ولا وجود لها في هذه الخارطة، وما أعلن عنه في حربه على غزة ولم يتراجع حتى الآن عنه وهو تهجير الفلسطينيين إلى مصر والاردن والباقي من فلسطيني الداخل إلى لبنان بعد أن كان يتخوَّف من التغيير الديمغرافي نتيجة تزايد الأعداد المقَدَّرة للفلسطينيين إلى نسبة تساوي او أكثر عدد اليهود في فلسطين التاريخية، والمؤكد إن نجح في تهجير الفلسطينيين اليوم إلى مصر والاردن أن يستكمل تهجير فلسطيني الداخل إلى لبنان، لذلك فإن المقاومة تقوم بعمل ردعي يمنع العدو من تنفيذ مشاريعه التي تُشكِّل خطراً وجودياً على لبنان، فالمقاومة في الواقع إنما تقوم بحماية لبنان وشعبه وأرضه وكيانه وهذا لا يجب أن يُشكِّل عامل قلق لأحد بل عامل اطمئنان، وهي بذلك لا تستجلب العدوان لأن العدو مارس العدوان ويمارس العدوان والاحتلال فعلاً والمقاومة تقوم برد الفعل لا الفعل”.