زياد الزين
لا شك، أن الانشغال لدى كبار السياسيين الشرفاء ومتخذي القرار، يصوب بوصلة مواقفه نحو الجنوب، مع ادراك كامل ووعي عميق، أن ثمة متغيرات متسارعة في المنطقة، انطلاقا من اوكرانيا، والتوقف مليا أمام منحى أهداف السعودية للعام ٢٠٣٠ مرورا بالوضع في سوريا حيث يكثر اللاعبون ولكل أجندته الخاصة. وطبعا خياطة الثوب الجديد لطريق حرير بديل ومواز، انطلاقا من غزة، التي تقاتل أغوارها، أعتى الحملات التدميرية للبنى التحتية، وتصفية وجودية على طريق إلغاء مكون شعب كامل، إذ من الخطأ أن يتم الفصل بين غزة والضفة، هنا يقع المحظور، وهنا يصيب التضليل؛ ويقع الخلاف الفلسطيني الداخلي، الذي لطالما أكدت حركة أمل ورئيسها أن الوحدة هي أحد مكونات المقاومة، وجسر عبور للانتصار، وبغير الوحدة، يصاب المشروع بالانتحار أو أقله بالشلل النصفي..
عودة الى المواقف اللبنانية، المتشابكة والتي يمكن ايجازها انها ردات فعل لثلاثة محاور:
-الفريق الأول يعتبر أن على لبنان النأي الكامل بما يحصل في غزة تماما كما كان الموقف حين تعرضت سوريا لحرب عالمية، ولا يهم هنا الا لبنان الانعزال، وكأنه قطعة من الغيم وليس شريكا في نضوج تسويات تعزز دور لبنان، والأخطر أن هذا الفريق يصوب اعلاميا وفي المواقف السياسية أن المقاومة اللبنانية تجر لبنان الى حرب، متجاهلة أن أكثر من ٩٠ شهيدا سقطوا دفاعا عن حرمة لبنان، من انتهاك الأعراض برا وجوا وحديثا رفع الهواجس حيال المخزون النفطي بحرا، كما وأن الملفت أن المواقف تتجه نحو تبني أشرس المصطلحات والمفردات الطائفية والمذهبية البغيضة، التي لا تخدم إلا محاولات كسر وتهميش المعادلة الثلاثية الراسخة وطعن ظهر من يدافع وجوديا عن لبنان، على أن سمة مواقفه الدائمة التخوين لمن لا يلتزم معه بالتقاطعات السياسية ليس فقط على المستوى الاستراتيجي، إنما في المواقف المضمرة أيضا.
-الفريق الثاني يبقى لاهثا نحو المكتسبات، كما هي الحال على امتداد فترة الحكم، لا يعير اهتماما لسقوط بلد بأكمله اقتصاديا واجتماعيا، لأن معايير مقاربة النهج السياسي المعتمد، تلامس تضخيم العناوين، التي هي عمليا فارغة، لأن النوايا استنفذت كل الشعارات، كاللعب على مصطلح المسيحية الوجودية، وأحيانا المشرقية، واللامركزية الادارية التي هي انتقال مضن وغير سلس نحو اللامركزية السياسية، التي تكرس التقسيم، وتتيح الفرصة لتوطين في حكم المؤبد، و “تربيح الجميلة” في أي بيان يدافع عن مشروعية المقاومة. والهدف دائما، حصة الأسد الوازنة في أي تسوية سياسية، وعيون شاخصة دائما على (طاقات) لبنان في معنى المشروع دون الموارد البشرية، من هنا تشرد مواقفه دائما نحو الاختلال في التوازن ونصوص مبهمة والتشاطر والتذاكي على الشركاء قبل الخصوم.
-الفريق الثالث: لا شيء لديه مقدس في السياسة، يترك لغة المؤامرة والمقامرة لمن يجيدهما، ويتبنى لغة واحدة هي المقاومة، مع مشروع موثوقية متكاملة، في تحصينها ورفع شأنها، ودائما ما نكرر المعادلة الماسية، ليس للنثر والشعر، إنما للتأكيد على مناعتها، وحيث لم تصرف رصيدها في الداخل، لأنه يدفع بالآداء الراقي لحماية وطن والدفاع عن حدوده، الى آداء ردات الفعل التي يريدها البعض بغية تشتيت قدراتها.
وفي خلاصة العرض، فإن مشروع الإمام موسى الصدر، أوسع من أن يكون لغة تدجين، أو إلغاء، أو ارادة اضمحلال، لأي فريق أو لأي مشروع، طالما لا يلاقي المشروع الصهيوني، الذي يريد “كبد” لبنان ليأكله متلذذا، فهل الدعوة مرة جديدة، لأن نكون جميعا برعاية هذا الفكر، انحياز أم حياد، الأيام القادمة وما تحمله من دوي سقوط للمسيرات السياسية، هي الجواب المانع الجامع.