غسان همداني
أثناء سنوات الدراسة في كلية الحقوق كان أحد زملائنا يساريا ملحداً، ورغم النقاش الموضوعي والأدلة على وجود الخالق الا أن قناعته لم تتغير أبدا، في العام 1985 دخل علينا في كافتيريا الجامعة وقال: “اليوم أيقنت أن الله موجود”، علت الدهشة وجوهنا، والسؤال كان عن السبب وراء هذا الايمان، أجاب: تنظيم طري العود، يُخطف قائده، تتكالب عليه معظم القوى اللبنانية وغير اللبنانية، اليسار واليمين، يقاتلونه فلا ينالوا منه، يتصدى لإسرائيل بسلاح متواضع فيسطر بطولات، وما زال قويا وصامدا وينمو باضطراد، اليس هذا أكبر دليل على وجود الله.
بالأمس، في الذكرى الخامسة والاربعين لإخفاء الإمام القائد السيد موسى الصدر سد الحضور عين الشمس، فالحضور كان يفوق الخيال، ولم تدرك عين الكاميرات الحضور في الشوارع والطرقات الذين لم يستطيعوا الوصول الى مكان الاحتفال من زحمة السير، والذي يفوق بأضعاف عدد المتواجدين في محيط الاحتفال، وهو أمر يتنامى كل عام، واللافت كما كل عام الحضور من كل الفئات العمرية، ما بين كهل أو عجوز يجران سنينهما باتجاه الاحتفال ملتحفان بعلم الحركة ومراهقين وأطفال صغار.
ما هو سر هذه الحركة ؟؟ّ!! كلما راهنوا على اندثارها تفاجئ الجميع انها أقوى مما يتخيلون، وكل ما تآمروا على إضعافها ارتد كيدهم في نحرهم، هل السر في الخدمات التي تقدمها؟ أم في الأموال التي تدفعها؟ أم في الوعود التي تغدقها؟ أم في وفي وفي؟
الكل يعلم أن لا رواتب أو مخصصات تدفع للحركيين، بل العمل فيها تطوعي، ما عدا الذين يعملون اداريين في مكاتبها ويتقاضون مبالغ زهيدة، والمولجين بتنظيم الاحتفال والسهر على أمنه والدفاع المدني وجميع المكلفين بمهام كل في اختصاصه تركوا أعمالهم وأشغالهم مع ما يترتب على ذلك من خسائر مادية في هذا الزمن الصعب.
والخدمات التي تُقدم تعتبر قليلة قياسا بجمهور هذه الحركة (والزعلان أكتر من الراضي)، رغم ذلك فهذا الجمهور وفيّ لقائده وقيادته، اتخذوا الفقر جلبابا، لكنهم أغنياء بحركيتهم، متفانون في الدفاع عنها، يقبضون على انتمائهم الحركي كالقابض على الجمر، لم ترهبهم التهديدات، ولم تغرهم الأموال.
في مهرجان مدينة صور بتاريخ 5/5/ 1974 خاطب الإمام الصدر المحتشدين بقوله:
” شرفي أن أكون بينكم أكبر شرف ثقتكم، تلبيتكم، جهدكم. كم بذلتم من جهد؟ من أي مكان آتين؟ من أماكن بعيدة. هل أحد استأجر لكم سيارة؟ هل دفع أحد لكم فلساً واحداً؟ هل بعث أحد لكم بطاقة واحدة؟ تلبية عامة، هذا أكبر شرف لي.” هذا الوفاء ليس جديداً على جمهور هذه الحركة، بل تتوارثه الأجيال، وما بدلوا تبديلا.
سر هذه الحركة أنها قامت في سبيل الله وخدمة الانسان، وتبقى مسددة بروح القدس، وما أرادها جبار بسوء الا وقصم الله ظهره قسمين والتاريخ يشهد.