اشار نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الى ان البعض يمنّ على اللبنانيين بأن بنى لنفسه وطناً اسمه لبنان ينكره على الاخرين، ولكننا حرّرناه بدمائنا لكل اللبنانيين، أنكروا علينا الحقّ به دون أن نمنّ على أحد لأننا نؤمن بوحدة لبنان أرضاً وشعباً وبكرامة إنسانه من منطلق المسؤولية الوطنية وسنمنع قيام إسرائيل أخرى على أرضه، ولن نقبل مقولة نيرونية أخرى “إما ان يكون لنا لبناننا وحدنا أو لا يكون”، بل إن لبنان سيبقى وسيبقى وطناً نهائيا لجميع بنيه.
وخلال خطبة الجمعة في مقر المجلس لفت الخطيب الى إنّ الاصرار على المناورات السياسية وإنكار الحقّ الديمقراطي للآخرين بعد رفض الاستجابة لدعوة الحوار والتهديد بالفدرلة والتقسيم يفسّر أسباب الازمة والحصار، وأن هناك تواطؤاً بين الخارج وبعض الداخل يُستخدمون كأدوات، المستفيد الوحيد منها العدو الاسرائيلي للوصول إلى نزع سلاح المقاومة الورقة الرابحة بيد لبنان، مضيفا: يظنّ البعض أنه سيُعطى الجائزة بدولة على غرار إسرائيل ولم يتعلم أن مصيره إن تحقق هذا الحلم الذي هو كحلم ابليس في الجنة أن يكون أول ضحاياه، لذلك ندعو إلى التعقّل والخروج من هذه الأوهام والتفاهم مع الشركاء في الوطن الذين أخلصوا له ودافعوا عنه وليأخذوا العبرة من العراق وسوريا.
واضاف: قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) الأنعام: 159، تتحدث الآية المباركة عن أهل الديانات السابقة واختلافهم أحزاباً حيث أدّى هذا الاختلاف إلى الانشقاقات والتفرقة في الدين بسبب اللجوء إلى تفسيره من قبل كل طرف بما يتناسب مع أهوائه ومصالحه والتعصّب لرأيه عناداً وتغلّباً في مواجهة الرأي الآخر على حساب الحق حتى ولو ظهر له أنه على باطل، وبالتالي إلى تضييع الحقيقة على الناس وانحرافهم عنها، وليس لأنّ الدين في أساسه كان مبهماً وغير جليّ فإن هذا يخالف الحكمة الإلهية والغرض من إرسال الرسل وإنزال الوحي والكتب السماوية، قال تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) وقوله تعالى: (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ).
ولفت الى ان المشكلة لم تكن في عدم الوضوح في الخطاب الالهي فالرسل جاؤوا بالبينات إلى جانب حضورهم وقيامهم ببيان الحق فيما اختلف الناس فيه أو قَصُرَت عن بلوغه أفهامهم، ولكنهم وللأسباب التي قدمنا تحزّبوا للتفسيرات التي ابتدعوها هوى وتعصّباً ليس للحق وإنما للغلبة وإظهار عدم الإنهزام أمام الخصم المخالف له، أو لأنّ تفسيره أوفق بمصالحه أو مصالح قبيلته، وهو ما نلمسه في حياتنا اليومية والاختلافات الفكرية والسياسية.
وتابع: لذلك نبّه الله تعالى من أن تصيب هذه الآفة المؤمنين فيقعوا في الفرقة والاختلاف، قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)، وهو ما لم آمرهم به وإنما امرتهم بالحفاظ على الدين متوحدين اي التمسك بالوحدة على طريق الحق وان الخروج عن هذا الأمر ليس من طريقتك أو سبيلك (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).
واردف قائلا: الله سبحانه يذمّ هؤلاء ويدعو إلى التمسّك بالوحدة على أساس الخضوع للحق (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ)، واتقاء التشتت والتشرذم (وَاتَّقُوهُ)، وهذا الخضوع للحق واتقاء التشرذم والتشتت يؤدي حتماً إلى أن تكون العبودية للحقّ وأن يكون هو القصد، فالموضوعية البعيدة عن الهوى والأنا والمصالح الفئوية والحزبية وشخصنة القضايا هي الطريق الذي يجب سلوكه واتخاذه منهجاً في الحياة، والذي سيؤدي حتماً إلى المصالحة مع النفس ومع الآخرين أيضاً، والاختلاف الناشئ عن المصالح سيؤدي إلى التنازع والبغي وهو الظلم والتعدي وافتقاد العدالة وتحوّل الحياة إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف.
واكد الخطيب ان الله تعالى ذم الأحزاب: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)، التي تُمزّق وحدة المجتمع لغاية السيطرة والاستئثار بالسلطة والمنافع والنفي للآخر، فَتُحَوِّل المجتمع إلى مجموعات متعصبة متباغضة متنازعة، ولكن حينما تكون وظيفة الأحزاب كما هو المفروض هي التنافس على الارتقاء بوعي المجتمع وتعميق الشعور بالانتماء الوطني والحفاظ على مصالح المواطنين السياسية والاقتصادية والثقافية ووضع السياسات تحت سقف الوحدة الوطنية وفي خدمتها وهذا يقتضي أن يكون لدى الجميع مُسلمّات وطنية من وحدة الارض والشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين والدفاع عن السيادة والايمان بالتنوع والاختلاف وبالمسؤولية الوطنية والإنسانية أما أن يكون لكل حزب مفاهيمه ومُسلمّاته وتفسيراته الخاصة به على أساس مصالحه الحزبية والفئوية والطائفية والشخصية، فيعني ذلك أنه ليس هناك في مفهومهم وطن واحد وشعب واحد ومُسلمّات وطنية واحدة وإنما أوطان متعددة بعدد الأحزاب والمواطنين، فلكلٍّ وطنه الخاص به.
وتساءل: هل هذه هي مهمة الأحزاب في لبنان وكذلك المؤسسات الدينية في لبنان؟، لافتا الى ان وظيفتها حماية الإنسان وتحقيق العدالة الإنسانية، وأَن الاختلاف الديني أو المذهبي وتمايز الاديان عن بعضها البعض في أمور عقائدية خاصة لا يعني التفرقة بين المواطنين في الكرامة الانسانية والحقوق والواجبات، ولا يعطي هذا الاختلاف امتيازاً لأحد وإنما الامتياز على اساس التقوى وبمقدار الخدمة التي يقدمها لمجتمعه ووطنه ولا يعطي حقّاً لمرجعية دينية الانحياز على أساس طائفي أو ديني لأحد، والشهادة لغير الحق.
واوضح ان مهمة المرجعيات الحزبية والدينية على نحو أكيد أن تكون حريصة على الشهادة الحقة لغير المنتمين إليها أشد من حرصها على (رعيتها)، وأن تعطي الحق لأهله، هاجسها المسؤولية الاخلاقية وتطبيق العدالة والحفاظ على الوحدة الوطنية لا أن توجّه سهامها باتجاه رئاسة آخر مؤسسة وطنية متبقّية التي تقوم بدورها الوطني بامتياز ولم تكن يوماً تعبّر عن موقف طائفي مما يقتضي الوقوف الى جانبها لإخراج البلد من أزماته وليس بإعطاء الغطاء الديني للإستقواء والاستدعاء للعقوبات الخارجية تكراراً للتجارب السابقة وباستدعاء جحافل الجيوش الأجنبية والقوى العدوة والاحتلال الاسرائيلي ومجازره، فلا تجوز شهادة الزور إنطلاقاً من عصبية طائفية، فكيف يكون الحل؟ هل برفض الدعوة الى الحوار وبالمناورات السياسية ثم باتهام رئاسة المجلس بمخالفة الدستور وهي الحريصة على كل المكوّنات كما أثبتت كل مواقفها.
واضاف: لا يجوز الامعان في توجيه التهم للمقاومة وللرموز الوطنية كما لم نره في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي والارهاب أو الاعتداءات أو التهديدات أو الارهاب التكفيري مما يدعو الى زيادة الشكّ والريبة في وجود نية في الدفاع عن لبنان أصلاً وشعبه المهدّد دائماً بالقتل والتهجير والإرهاب الإسرائيلي، وتعميق القناعة بالتمسّك بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة التي أثبتت بالدم إخلاصها للوطن وليس لمكوّن مذهبي أو طائفي وهي ليست بحاجة إلى شهادة من أحد.