وجدي العريضي_ النهار
بات الملفّ اللبنانيّ موضع اهتمام عواصم القرار، ولاسيّما الدول الخمس المهتمّة بوضع البلد واستحقاقاته وأزماته، ولكنّ ذلك لم يحجب الرؤية عن الموقفين والدورين الروسيّ والصينيّ، لما لهما من حضور ونفوذ في المنطقة، وهذا ما تبدّى بوضوح على خلفيّة ما قام به “المارد” الصينيّ، عبر عودة العلاقات بين المملكة العربيّة السعوديّة وإيران، فيما تبقى موسكو قادرة على “المَونة” على معظم الأطراف اللبنانيّة، بفعل صداقاتها التاريخيّة منذ أيّام الاتّحاد السوفياتيّ، وصولاً إلى المرحلة الراهنة، وهي في الوقت عينه تحظى بنفوذ في المنطقة، من فلسطين إلى سوريا ولبنان، وتملك صداقات مع دول مجلس التعاون الخليجيّ، تفاعلت وتنامت في السنوات الماضية، وتحديداً مع الرياض، ربطاً بصداقة الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين مع وليّ العهد السعوديّ الأمير محمّد بن سلمان، حيث تؤكّد جهات نافذة في الخارجيّة الروسيّة، أنّ موسكو كانت على علم مسبق، ومواكبة للاتّفاق السعوديّ – الإيرانيّ الذي احتضنته بكين.
أمّا ماذا عن دور موسكو وما تقوم به في هذه المرحلة على الصعيد اللبنانيّ، لاسيّما الاستحقاق الرئاسيّ، وهي المنهمكة في أضخم حرب ما بعد الحرب العالميّة الثانية، أي تلك التي تخوضها مع أوكرانيا؟
في السياق، وبصدد الاستحقاق الرئاسيّ من جوانبه كافّة، تشير مصادر سياسيّة عليمة ومقرّبة من موسكو لـ “النهار”، أنّ الروس لا يتدخّلون في هذا الاستحقاق، أو في الشأن اللبنانيّ بشكل عام، لكنّهم يسدون النصائح، ويهمّهم استقرار لبنان الذي هو من استقرار سوريا، والعكس صحيح، كاشفة أنّ دعمها أو رغبتها في وصول رئيس تيّار المرده النائب السابق سليمان فرنجيه إلى سدّة الرئاسة، مسألة واضحة، بل تحبّذ أن يكون فرنجيه رئيساً للجمهوريّة، ليس بفعل صداقاته وعلاقاته المتينة مع روسيا، ولكن، وفي هذا الإطار، ثمّة معلومات ومعطيات، تسلّط موسكو عليها الضوء، وهي أنّ الضمانات التي في حوزة الروس، نفسها التي أعطيت منه للفرنسيّين، للتأكيد على ثبات مواقفه ومصداقيّته، في ظلّ ما يُقال بأنّه مرشّح تحدٍّ، أو أنّ صداقاته لبعض الدول الإقليميّة، أو “الثنائيّ الشيعيّ” ينزع عنه الغطاء والبعد الوطنيّ.
وهنا، يُنقل بأنّ موسكو ترى أنّ رئيس الجمهوريّة في لبنان، وخلافاً لما يُثار ويفصّل، يجب أن يكون سياسيّاً، لا رجل اقتصاد كما يتمّ طرحه، على خلفيّة ما يعانيه هذا البلد من معاناة وظروف اقتصاديّة وماليّة مزرية، بل أنّ رئيس الحكومة هو من يضع البرامج الاقتصاديّة بالتكافل والتضامن مع حكومته، وهذه المقاربة واضحة وأساسيّة، في ظلّ التفصيلات التي تُطرح على الساحة اللبنانيّة.
أمّا ماذا عن ضمانات فرنجيه التي تكشفها موسكو؟ المسؤولون الروس، يشيرون إلى أنّ رئيس تيّار “المرده” قادر على التواصل والتنسيق مع المملكة العربيّة السعوديّة ودول الخليج بشكل عام، في حال وصوله إلى سدّة الرئاسة، ويؤكّد أنّه لن يقبل بأيّ حملات وإساءات تجاه المملكة، وقادر على لجمها، وشجبها بقوّة، وتصويب الأمور بما يليق تاريخيّاً بعلاقة البلدين، وهو ليس بعيداً من خلال بيته وعائلته عن الرياض.
أمّا بالنسبة إلى سلاح “حزب الله”، يقول فرنجيه أنّه غير مستعدّ لحرب وانقسامات في الداخل اللبنانيّ، بل يجب أن يطرح هذا الموضوع في مجلس الوزراء مجتمعاً، من خلال إجماع وطنيّ، ويأخذ هذه المسألة على عاتقه، في حين أنّ ما يثار حول صداقاته وعلاقاته مع الرئيس بشّار الأسد، والأمين العام لـ “حزب الله” السيّد حسن نصر الله، فهي من الندّ للندّ، ولم يستغلّها يوماً على حساب المصلحة الوطنيّة العليا، وهذا ما يعرفه الجميع.
وبالنسبة إلى المساعي الروسيّة حول دعم فرنجيه، تتابع المصادر لافتة، بأنّ موسكو تتواصل مع الجميع في لبنان وتريد انتخاب رئيس للجمهوريّة في أقرب وقت ممكن، في ظلّ قلقها ومخاوفها من تفلّت الأوضاع وحصول اضطرابات في الشارع، بفعل ما يعانيه أبناء هذا البلد من أزمات غير مسبوقة، وعندما تُسأل المصادر، هل التواصل يشمل حليف موسكو القديم رئيس الحزب التقدّميّ الاشتراكيّ وليد جنبلاط، تؤكّد على هذا المعطى، بدليل أنّه طرح أسماء حياديّة للرئاسة، فرفضها حلفاؤه وأصدقاؤه وخصومه، بمن فيهم قائد الجيش العماد جوزيف عون.
وتخلص المصادر، عازية انتخاب فرنجيه إلى أنّه في حاجة إلى النصاب لا العدد، دون أن تغفل أنّ التفاهمات وعودة العلاقات الديبلوماسيّة بين السعوديّة وإيران، والانفتاح الخليجيّ والعربيّ على سوريا، من شأنها إضفاء أجواء إيجابيّة على الوضع اللبنانيّ، والمعلومات تشي بأجواء إيجابيّة قريبة على خطّ العلاقات الثنائيّة والثلاثيّة بين الرئيس الأسد ودول خليجيّة، وفي صلبها الرياض، وثمّة محطّات قريبة على هذا الصعيد، ما يعزّز المناخات في لبنان والمنطقة، بما في ذلك الاستحقاقات اللبنانيّة على اختلافها.