سامر عبدالله-ليبانون تايمز
ارتبطت عملية إطلاق صواريخ فلسطينية من عدة أماكن في جنوب لبنان بحادث معنوي كبير هو اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى والتعرض للمصلين والمعتكفين هناك أمام الإعلام مباشرة مما أثار نقمة عارمة نظرا لخصوصية هذا المسجد عند كل العرب والمسلمين .
لا شك أن مسألة الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتحديدا في القدس والضفة الغربية إضافة إلى الحصار على قطاع غزة أمر لم يعد قابل للإحتمال على الصعيد الفلسطيني الداخلي ، سيما أن التعنت الإسرائيلي بلغ حدودا لا تطاق حيث تتصرف دولة الإحتلال وكأنه لا يوجد شيء إسمه الشعب الفلسطيني .
فالإسرائيلي يطرح كل سنة أكثر من مشروع إستيطاني ، كما أنه يوسع نشاطات إستيطانية قائمة ، ويتعاطى مع السلطة الفلسطينية بمنطق التابع له ، ويتعمد إذلال الأسرى الفلسطينيين ، بل ويمدد فترات إعتقال الأسرى الذين استحقوا الإفراج عنهم وفقا للقوانين الإسرائيلية ذاتها .
وبالنسبة للقدس يعتمد الإسرائيلي على عامل الوقت من أجل قضمها بالكامل وصولا إلى تأمين أغلبية إسرائيلية سكانية فيها تمهيدا لطرح مشروع إستفتاء أمام العالم يكرس دمجها نهائيا بالكيان المحتل ناهيك عن الهدم المتواصل للمنازل ومنع الفلسطينيين المقدسيين من البناء في أراضيهم أو في توسيع أبنيتهم القائمة .
كل ذلك أدى إلى توتر لا مثيل له في الآونة الأخيرة فلم يعد للمقاومة وتحديدا في القدس من مرجعية سياسية سوى عنفوان الشباب والشابات والشيوخ الذين اندفعوا نحو مواجهة المحتل بكل السبل في أكثر من هبة شعبية جريئة .
لا يريد الإحتلال أن يفهم خصوصية القدس وخصوصية المسجد الأقصى مستندا إلى ضعف السلطة الفلسطينية وإلى انهيار المنظومة الرسمية العربية وعلى إنشغال العالم بحرب أوكرانيا وبأزمات اللجوء إضافة إلى إنشغال العرب في مشاكلهم الداخلية بعد حالات التشرذم التي ما زالت تعاني منها أكثر من دولة عربية .
ويصح القول أن القضية الفلسطينية كقضية مركزية قد تراجعت من حيث الإهتمام على الصعيد العالمي واتضح للرأي العام الفلسطيني أن إعادة تفعيلها لن يحصل إلا على أيدي الفلسطينيين أنفسهم في ظل تحول الإنقسام بين حركتي فتح وحماس إلى ثقافة متجذرة لها أبعادها الإقليمية والعربية .
يمكن الإشارة هنا أن توقيت عملية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة أتى دقيقا للغاية ، سيما وأن هذا الأمر من حيث الحجم لا يعتبر تقليديا أو عابرا بل هو يعتبر أكبر تصعيد على الحدود الجنوبية للبنان منذ حرب عام 2006 وذلك بحسب توصيف قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان ، والتي تسعى لتطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي .
الإتهام الإسرائيلي عن عملية إطلاق الصواريخ توجه نحو حركة حماس كما وحمّل الدولة اللبنانية المسؤولية عنها ، وأتى الرد الإسرائيلي محدودا تحسبا لإندلاع مواجهة مع حزب الله في إشارة إلى أن دولة الإحتلال لا تريد حربا واسعة مع المقاومة الإسلامية في لبنان في ظل التشرذم الداخلي الإسرائيلي وفي ظل تآكل منظومة الردع الإسرائيلية .
لا يمكن تخيل أن تمارس حركة حماس نشاطا عسكريا ضد دولة الإحتلال وبهذا الحجم انطلاقا من الأراضي اللبنانية دون أن يدخل هذا العمل ضمن المفهوم الإستراتيجي أو على الأقل ضمن الإطار العام لمحور المقاومة ، علما أن حزب الله قد ربط الأمر بالتصعيد الإسرائيلي الأخير في الأقصى مشيرا إلى أن ذلك قد يشعل المنطقة .
لا يخفى أن الإسرائيلي قد تمادى في اعتداءاته على سوريا التي أعادت علاقاتها مع حركة حماس مؤخرا بعد انقطاع طويل بسبب تأييد هذه الحركة للقوى المعارضة للدولة السورية . فقد أصبحت الإعتداءات الإسرائيلية على سورية شبه يومية ولم تعد سوريا في موقف الضعيف بعد تجاوزها القطيعة مع أغلب الدول العربية ، كما وبعد استعادتها السيطرة على أغلب المناطق التي كانت بيد قوى المعارضة المسلحة وأقصد بذلك جبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابيين .
وفي توقيت عملية إطلاق الصواريخ أيضا فهي تأتي بعد مشهد المصالحة بين إيران والسعودية من جهة ومشهد مشروع المصالحة المتقدم بين تركيا وسوريا من جهة أخرى ، بحيث أن محور المقاومة يكون في طريق استكمال تحرره من الخلافات الجانبية التي كانت تصب في مصلحة إسرائيل .
لذلك يمكن تفسير ما يجري في الجنوب اللبناني حاليا بأنه رسالة من محور المقاومة لإسرائيل بأن أمن المنطقة وأن المبادرة الأمنية في المنطقة هما بيده وليس بيد إسرائيل ، وأن على تل أبيب أن تتعمق بالتغيرات الحاصلة علما أن الأحداث العسكرية طالت مؤخرا الوجود العسكري الأميركي في سوريا .
ويمكن القول أيضا أن محور المقاومة يوجه رسالة حازمة لإسرائيل أن موعد الرد على الإعتداءات على سوريا قد اقترب ، وأن اليوم ليس البارحة ، وأنه يجب تغيير المعادلات التي جعلت من الإسرائيلي يستقوي على السوريين وعلى الفلسطينيين .
كما أن في عملية إطلاق الصواريخ رسالة للمجتمع الدولي الذي يراهن على إنهيار تام في لبنان ، في إشارة حازمة منه أن هذا الإنهيار سيؤدي إلى تصدع القرار 1701 لا بل في انهياره ، وأنه آن الأوان لرفع الحصار عن لبنان وإلا فإن حدود إسرائيل ستشتعل .
يضاف إلى ذلك أيضا أن في الأحداث الأخيرة في الجنوب اللبناني إشارة إلى المفاوض الأميركي في الملف النووي الذي يسعى لأخذ ضمانات أمنية لصالح إسرائيل أن لا يراهن كثيرا على انتزاع أوراق من المقاومة اللبنانية لإستحالة تخلي محور المقاومة عنها أولا ، وثانيا لأن مجرد التفكير بتقييد نفوذها سيؤدي تلقائيا إلى زيادة نفوذ قوى أخرى منها التنظيمات الفلسطينية العاملة في لبنان والتي سبب وجودها الإحتلال الإسرائيلي والسعي الإسرائيلي لشطب حق العودة .