سامر ماهر عبدالله – ليبانون تايمز
يتساءل كثر عن مضمون الإتفاق السعودي الإيراني وهل هو إتفاق متكامل يؤسس لإستقرار طويل الأمد في العلاقة بينهما أم هو خطوة أولية يفترض أن تتبعها خطوات أخرى قد تحصل أو قد تتعرقل؟
لا شك أن الخلافات بين السعودية وإيران هي مزمنة وتعود بتاريخها إلى بداية الثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه ومهدت لتأسيس الجمهورية الإسلامية وفقا لدستور إسلامي.
فمن المعروف أن السعودي تعتبر نفسها مصدرا للمشروعية الإسلامية وملكها يعتبر خادما للحرمين الشريفين وهي تحظى بتأييد من كافة الدول الإسلامية سواء كانت عربية أم غير عربية.
وأتى المشروع الإسلامي في إيران ليؤسس لدولة إسلامية على النمط الدستوري الغربي حيث البرلمان ورئيس الجمهورية المنتخبين من الشعب مباشرة مع التسليم بمبدأ تداول السلطة ومبدأ فصل السلطات.
وكان من الطبيعي الصدام بين هاتين الدولتين على الصعيد العقائدي بداية ومن ثم على صعيد المصالح والأدوار بعد أن أعلنت إيران نفسها راعية لحركات المقاومة ضد إسرائيل في خطوة أعطتها حضورا في أكثر من دولة عربية. غير أن هذا الصدام لم يحتدم بسبب مواجهة مواجهة إسرائيل الأمر الذي لا يزعج السعودية، إنما ما يزعجها هو تهديد زعامتها الإسلامية فكان الوصف الذي أطلقته على المشروع الإيراني بأنه مشروع مذهبي وذلك من أجل تقييده وعزله.
وبناء على ذلك تطرح النقطة الأبرز والأهم هنا وهي هل في تخفيف الصراع المذهبي السني الشيعي أو حتى في شطبه كليا ما يعزز من دور إيران في المزيد من تقييد المشروع الإسرائيلي؟
نجد أن الإسرائيلي منزج بشكل كبير من الإتفاق السعودي الإيراني ومن الطبيعي أن يعمل مستقبلا على محاولة إيقاذ الفتنة مجددا بين المسلمين، ولهذا السبب نجد أن تكتما قد طال المفاوضات من أجل إنجاحها بحيث أن الإسرائيلي رغم قوة علاقاته مع واشنطن لم يكن يعلم بموعد الإتفاق وبحجمه.
لا يظنن أحد أن واشنطن بعيدة عن الإتفاق بين السعودية وإيران، فالولايات المتحدة تفاوض إيران من فترة طويلة علنا حول الملف النووي وضمنا حول مستقبل المنطقة ككل وصولا إلى رسم سياسة جديدة لها مع تبدل الصراعات والأولويات والمصالح.
السعودي طالب الأميركي مرارا بدور في مفاوضات النووي فلم يكن له ما يريد مما جعله يعمل مع إدارة الرئيس الأميركي السابق ترامب لنقض الإتفاق النووي السابق وهذا ما حصل. ومع عودة الديمقراطيين للحكم مع فوز بايدن تم إعطاء الدور الأخضر للسعودية للتفاوض مع إيران لتتفرغ واشنطن بعد ذلك لتجديد التفاوض مع طهران على أسس جديدة بحيث لا يبقى من يعارض المفاوضات إلا إسرائيل.
من الواضح أن الأميركي منزعج بشدة من السلوك الإسرائيلي الرافض لحل الدولتين الذي يتيح لواشنطن شطب الصراع العربي – الإسرائيلي وتأمين تطبيع بين السعودية وإسرائيل بعد تأسيس دولة فلسطينية، ويبدو أن الأميركي غير منزعج من أزمة إسرائيل الداخلية التي يبدو أنها لن تنتهي ما لم يرضخ الإسرائيلي لشروط واشنطن وأبرزها التخلي عن مشروع ضرب إيران وعن مشروع شطب اتفاق أوسلو.
بالعودة إلى ما يجري بين السعودية وإيران، فإن أبرز ما أرهق السعودية هو حرب اليمن بحيث تريد الرياض إنهاءها دون خسارة، كما أنها تريد شفاقية ووضوح في علاقتها مع إيران بحيث لا تتفق طهران مع واشنطن يوما بما يهدد الدولة السعودية ووحدتها.
وقد شعرت السعودية أن واشنطن قد تتخلى عن حمايتها في حال خاضت حربا مباشرة مع إيران، وهي تجد أن الولايات المتحدة لم تقف مع أوكرانيا بشكل كامل بل تركها الناتو تخوض حربا غير متكافئة مع روسيا والنتيجة هي أن الدولة الأوكرانية قد دمرت بالكامل.
كما تيقنت السعودية أن خلافها مع إيران في سوريا كان لمصلحة تركيا وإسرائيل على حساب الأمن القومي العربي، وأن سوريا إن سقطت قستسقط بعدها عدة عواصم عربية إما بيد الفوضى وإما بيد الإخوان المسلمين الذين تدعمهم تركيا والذين قد يستطيعون عبر الإنتخابات الفوز بأغلبية نيابية في أكثر من مكان والتجارب كثيرة من مصر إلى تونس إلى المغرب.
إضافة إلى ذلك، وجدت السعودية أنه لا فائدة من مواجهة إيران في لبنان، لأن طهران لا تريد من هذا البلد سوى مواجهة إسرائيل، وأن التركيبة اللبناني بحد ذاتها لا تسمح لطهران ولا للسعودية بإدارته، وأن إستقراره على الدوام يرتبط بالتوافق الدولي – الإقليمي.
أمام ذلك خطا الأمير محمد بن سلمان خطوة شجاعة على طريق الحل مع إيران فما يمكنه الحصول عليه اليوم قد لا يستطيع حصده لاحقا إن رفعت العقوبات عن إيران واستطاعت تخفيف النقمة الشعبية التي سببها الوضع الإقتصادي المتردي الناتج عن الحصار الغربي.
كما أن إيران قد اعتبرت أن الإتفاق مع السعودية يتيح لها التفرغ لمشروع عزل إسرائيل، وهو يعطيها دافعا للتوصل إلى إتفاق وعلاقات أفضل مع الغرب بعيدا عن الضغوط الإقليمية، وفي ذات الوقت يسمح لها “بشرعنة” عربية لوجودها في سوريا واليمن ولبنان بعيدا عن الضغوط المذهبية.
وعن تفاصيل الإتفاق السعودي – الإيراني رغم عدم الإعلان عنها، إلا أنه من الواضح أن اساسها صلب وإطارها عام يسمح بإدارة الخلافات أو التناقضات بعيدا عن التصادم وإنما بالحوار، ويتيح حل للوضع اليمني بما يحفظ نفوذ إيران وبما يمنع إستنزاف السعودية وتهديدها، ويحجب الدعم السعودي الإعلامي والسياسي والمالي عن الإضطرابات في إيران، ويؤسس لتعاون وتوازن بين الدولتين في كل من العراق وسوريا ولبنان.