ساسيليا دوميط – المسيرة
الوقاية ممكنة
ترى ما الذي دفع بك يا جويا إلى اتخاذ قرار إنهاء حياتك؟ ما الذي أوصلك إلى الإنتحار؟ ما الأمر الذي أرهق جهازك النفسي وأوصلك إلى درجة اللاعودة؟ هل هي الأوضاع الإقتصادية؟ أم الإجتماعية؟ أهو فقدان الأمل بالغد؟ بالحياة كما ترغبين في الوطن الذي أحببته؟ ترى… هل كنت تعلمين بماهية الإنتحار؟ بأسبابه ودوافعه؟ وبأنه باستطاعتك معالجة الأعراض التي أوصلت بك إلى الموت المحتم؟
تعددت الأسباب والإنتحار في بلد الأرز واحد. يحصد شبابنا وشيبنا، يلجأون إليه كحل أبدي للمشاكل التي لا حلول لها.
أزمات متتالية أرهقت كاهل المواطن في لبنان، جعلته غير قادر على الصمود، من كورونا إلى انفجار 4 آب، الإنهيار الإقتصادي، هذا إذا لم نتطرق لما يعاني منه كل بحسب ظروفه الخاصة من فقدان المقربين، إلى الإنفصال والفراق، غياب فرص العمل، عجز عن تأمين لقمة العيش والدواء والتعليم والمسكن، ناهيك عن التفكك العائلي، والأمراض الجسدية والنفسية التي لا تغيب عن أي منا.
أما التوازن العاطفي فغير متوفر، إذ غيّبت الحاجات الأولية قدرتنا على التسلية والفرح والمرح، فندرت برامج السفر والإستجمام، وأصبحت الولائم والتجمّعات العائلية شبه معدومة، كل يلهث خلف تأمين الخبز والماء والتدفئة والوقود، وجوه شاحبة، عيون شاردة، فمن أين يدخل الإستقرار والأمان، وقد وصلت القدرة على التحمّل إلى أدنى درجاتها لدى الأكثرية الساحقة، وما من أمل بأن الآتي أفضل.
كنتيجة لكل ما سبق ذكره، يعاني اللبنانيون من كافة الشرائح العمرية من القلق والتوتر، من الإحباط والخوف، من العجز والضعف والإستسلام، وتسيطر عليهم مشاعر الحزن والغضب والإكتئاب، ما يظهر من خلال النزاعات الإجتماعية، التفلّت الأمني، الإدمان على أنواعه، العنف تجاه النفس والآخر، فنفقد من نحب إنتحارًا.
ما هو الإنتحار؟ ما هي أسبابه؟ ما هي سبل الوقاية منه؟ وكيف نساعد ونحمي من نحب؟
الإنتحار هو معروف، أن ينهي الفرد حياته بنفسه. وقد يكون ذلك بواسطة إطلاق الرصاص، أو إستعمال أدوات حادة، أو تناول جرعة كبيرة من الأدوية، أو رمي الذات من مكان مرتفع، أو بأية طريقة أخرى. أما الهدف منه فهو الوصول إلى الراحة المرتجاة، كحل لمشكلة أو ألم أو صعوبة معينة، حيث يفقد من يصل إلى هذه المرحلة، الرغبة بالحياة والشعور بالرضا، ويسيطر عليه الحزن ويفقد أدنى رغبة بالخروج والتسلية.
من المهم بمكان ملاحظة بعض المؤشرات التي قد تنذرنا برغبة شخص ما بالإنتحار، ومنها:
1-أفكار سوداء، منها الموت والميل إلى أذية النفس.
2-كلمات تدل على رغبة الشخص بالراحة بطرق غير مألوفة، مثلا «بدي إرتاح من الدني»، «ما بقى في شي بالحياة بيعنيلي»، «بلحظة برتاح وبريحكن».
3-الإشارة إلى مواضيع لها علاقة بالإرث.
4-الشعور بالذنب تجاه الآخر والتلميح له بذلك «صرت كتير عم عزبكن، رح ترتاحوا مني».
5-شراء أدوات وأشياء لها علاقة بالإنتحار كالأسلحة، أو التركيز على كميات من الأدوية.
6-العزلة وتجنب الناس والمناسبات الإجتماعية.
7-التركيز على الموت وتفاصيله بطريقة محببة.
8-الإشارة إلى وداع الأشخاص المحبين.
الإنتحار: الدوافع وطرق الحماية
أما أسباب الإنتحار فكثيرة ومرتبطة بالشعور بالضعف والعجز أمام مشكلة معينة، وعدم القدرة على الإستمرار بالحياة مع هذه المشكلة بالتحديد.
1 – ضغوطات نفسية بسبب العمل أو الدراسة أو المشاكل العائلية الدائمة.
2 – الفشل في الإمتحانات أو العمل.
3 – الصراعات الزوجية بين الأهل.
4 – العنف الزوجي والعائلي.
5 – الخسائر على أنواعها.
6 – الخيانة والغدر.
7 – محاولة الإنتحار في السابق.
8 – الإضطرابات النفسية كالإكتئاب وثنائي القطب.
9 – الإدمان على المخدرات والكحول.
10 – تأثير بعض العقاقير والأدوية.
11 – الإصابة بأمراض مزمنة.
أما إذا أردنا أن نحمي من نحب من الإنتحار، فعلينا تغيير بعض العادات الخاطئة، ومنها منع الآخر من التعبير عن رغبته بإنهاء حياته، بل بالعكس، علينا أن نسمع له، لا بل نسأله عن الطرق التي يفكر اعتمادها، وذلك بهدف حمايته ومساعدة أهله بذلك، فنبعده عن الأماكن التي تشكل خطرًا عليه، ونخفي الأدوات الحادة، كما ومن الضروري وبشكل طارئ مساعدة من يفكر بالإنتحار من خلال الدعم النفسي، جلسات العلاج، وزيارة طبيب نفسي في بعض الحالات.
كما نساعد من لديه ميول إنتحارية عبر تأمين بيئة حاضنة مريحة له، مع أشخاص يستطيعون فهمه، وإبعاده عن الظروف والأجواء الضاغطة. كما تعودنا أن نلجأ إلى إلهاء الفرد عن الأفكار الإنتحارية، وأن نقول له بأن الأمر غير مستاهل لذلك، إلا أنه بنظره أكثر من مهم، وقد أوصله إلى حالة نفسية دقيقة.
أما الحل الأفضل للحماية من الإنتحار فهو التوعية الجماعية على أهمية الصحة النفسية لدى الجميع، وتقديم الدعم النفسي للأشخاص والعائلات عند مواجهة أية مشكلة حياتية، مهما كانت، كالموت وخسارة العمل والطلاق وسفر أحد أفراد العائلة، كما الأمراض المزمنة والفشل الدراسي والأحداث الإجتماعية والأمنية؛ فنتمكن بذلك من تخفيف التراكمات، وحل الأزمة ومؤثراتها عند حدوثها.
إن ظاهرة الإنتحار في مجتمعنا اللبناني، هي نتيجة بديهية لغياب الأمان والإستقرار، والقلق، وعدم إشباع الحاجات الأساسية للفرد، والأهم من كل ذلك عدم القدرة على تحمّل خيبات الأمل، فمنا من يهرب إلى الخارج، منا من يعيش إنكارا للواقع، منا من يستسلم، ومنا للأسف من فاق تعبه قدرته على التحمل، ففقد رغبة التمسك بالحياة واختار الرحيل بلا أمل بالعودة.