أكد المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري النائب علي حسن خليل أنه لا يمكن مقاربة ملف انتخابات الرئاسة بمعزل عن شبكة العلاقات السياسية القائمة بالبلد والمعقّدة لدرجة وصلت إلى حد من الانسداد السياسي، وتعطيل التواصل الحقيقي والفعلي بين مكونات المجلس النيابي والقوى السياسية بين بعضها البعض، فهذا الأمر هو نتاج للتجربة السياسية التي عشناها بالأربع سنوات الأخيرة، بعد فك التفاهم بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر والدخول بمواجهة، وصولا إلى الانتخابات النيابية الأخيرة التي أنتجت مجلس نيابي، وبقراءة واقعية لأرقامها تشير إلى استحالة فرض رأي طرف على الطرف الاخر، وبالتالي هناك حاجة جديّة للتفاهم، مدخلها قيام حوار حقيقي منفتح وبعيد عن الحسابات الضيقة بين الأطراف المختلفة.
وتعلقيا على دعوة الرئيس بري للحوار قال خليل: “للأسف ظروف هذا الحوار لم تنضج بعد رغم محاولة الرئيس بري الأخيرة الدعوة له، لكن الكتل المسيحيّة الأساسيّة عارضت هذا الأمر نتيجة الموقف الحاد فيما بينها، وبالتالي أخّرت الوصول لمثل هذا التفاهم، وأعتقد أنه بموزاة هذا الانسداد الداخلي هناك تجاهل اأو عدم اهتمام عربي إقليمي ودولي بالملف اللبناني، لاعتبار أنه ليس في أولوية هذه الدول، وبالتالي لبنان الذي تعوّد باستحقاقاته الأساسية على المواكبة الخارجية، للأسف اليوم وجدت القوى السياسية نفسها أنها عاجزة عن حل المشكلة بشكل مباشر وداخلي، من هنا نعيد ونقول أننا بحاجة إلى حوار سريع للتفاهم بين بعضنا البعض على رئيس صفاته القدرة على الجمع، الحفاظ على موقع ودور لبنان، وعلى هويّته العربية والمقاومة، وبالتالي القيام بورشة الإصلاحات الداخلية وصولا إلى وضع البلد على سكة معالجة الأوضاع الاقتصادية والمالية”.
وتابع في سؤال خاص لموقع “شفقنا” عن هل هناك تدخلات إقليمية أو دولية تعرقل هذا الملف؟ “نظريا انتخاب رئيس للجمهورية هو أمر لبناني داخلي مرتبط بمواقف الكتل لكن في بلد يوجد فيه مثل هذه التقاطعات بين مصالح دول إقليمية وعالمية وعلاقات القوى الداخلية مع هذه الدول، جعلت لبنان منذ نشوئه وحتى الآن مساحة للتدخلات الخارجية، لكن هذا الأمر يجب أن لا يعطّل إرادة اللبنانيين نحو التفاهم بين بعضهم البعض على الموضوع الرئاسي”.
وأشار إلى أن “الذي يهم الرئيس بري هو الوصول إلى نتيجة من الحوار وليس الحوار بذاته، لذلك عندما يرى أن الظرف مؤاتٍ للدعوة لمثل هذا الحوار لن يتوانى عن هذا الأمر، المهم أن يكون هناك استعداد أولا، وبالتالي وجود نيّة وإرادة سياسية للوصول إلى تفاهم، والرئيس بري لن يتخلى عن مسؤولياته في هذا المجال”.
وأكد خليل عن مرشّح حركة أمل لرئاسة الجمهوريّة “أن الحركة لم تسمِّ حتى الآن مرشحها، الحركة لديها قناعات ولديها أفضليات بالخيار، اذا ما كان هناك مرشحين معلنين لدينا موقف صادق يرتبط بالوزير فرنجية، وهو نفسه لم يعلن بعد أنّه مرشح، وبالتالي نحن بانتظار هذا الأمر ليبنى على الشيء مقتضاه”، مضيفا أن “الأهم بالنسبة لنا هو المواصفات، مواصفات هذا الرئيس والدور الذي يستطيع أن يلعبه بالمرحلة المقبلة، المواصفات عبّر عنها الرئيس بري في خطاباته، وقيادة المرحلة تتطلب أن يقدّم المرشّح نفسه خطته و رؤياه لكيفية الولوج لسكّة الحل”.
كما وأضاف أنه “لا يوجد شيء اسمه فراغ، يجب أن يكون هناك سلطة أو إدارة تدير شؤون الدولة وتملأ أي شغور ممكن أن يحصل، إن كان على المستويين الدستوري أو السياسي، اذا انطلقنا من هذه المرجعيّة للدستور، نرى أن مجلس الوزراء يقوم مقام رئاسة الجمهورية عند شغور هذا الموقع، بغض النظر إذا كانت هذه الحكومة أو مجلس الوزراء بمهمّة تصريف الأعمال أو حكومة كاملة المواصفات، هذا الجانب الدستوري البحت، لكن نحن نعرف تمامًا خصوصية الوضع في لبنان، وتوازن السلطات وأدوار هذه السلطات والتمثيل الطائفي فيها، وبالتالي التوجّه لدينا أولا أن لا نستمر بالشغور بالبلد، ومجلس الوزراء له الحق في إدارة شؤون المرحلة الحاضرة، لكن بنفس الوقت نراعي إلى حد كبير عدم استفزاز أي مكوّن طائفي أو سياسي بالبلد، والتعاطي بالحدود المقبولة لتسيير مصالح الناس، وعندما يكون هناك حاجة ماسّة يتطلّبها الواقع والمصلحة الوطنية العليا عندها أعتقد أن مجلس الوزراء يستطيع دستوريا أن يلتئم وأن يتّخذ القرار المناسب”.
ونوّه خليل إلى تجارب سابقة حصلت في حكومات تصريف أعمال، قائلا: “أنا كنت بحكومة من الحكومات تصريف الأعمال واجتمعت الحكومة واتخذت قرارات عام 2013 لأنه كان هناك ضرورة كبيرة لهذا الأمر” .
وعلّق خليل على أن “من يرشّح ميشال معوض هو يعرف أنه يريده مرشحًا وليس رئيسًا، وبالتالي نحن لم ندخل بهذه اللعبة، لعبة رمي مرشّحين دون أن يكون هناك فرصة لوصولهم للرئاسة، وبالتالي لا يمكن التفاهم إلا بالحوار والتواصل والتشاور بين القوى مع بعضها البعض”، مشيرا أنه قانونيًا ودستوريًا يحق للكتل النيابية إما أن تحضر أو تصوّت ويحق لها أن تعتمد الورقة البيضاء كما يحق لها أن تقاطع، هذا أمر دستوري لا يمكن المس به أو النقاش فيه .
كما ولفت إلى أن “المجلس النيابي خلال الفترة الماضية أقرّ مجموعة من القوانين تغطّي مساحة واسعة مما هو مطلوب من المجتمع الدولي وهو حاجة داخلية، في ما يتعلق بمكافحة الفساد وتهريب الأموال وتبييض الأموال ومكافحة الإرهاب، أنشأ مؤسسات وأقر قوانين مرتبطة بالسريّة المصرفيّة والتدقيق الجنائي وغيرها”، وأوضخ أن في موضوع الكابيتل كونترول المشكلة ليست في المجلس النيابي الذي وضع يده من اليوم الأول، رغم أن الحكومة لأكثر من مرّة استردت أو طالبت بإجراء تعديلات عديدة عليه، والذي حصل أن مجموعة من الكتل كانت ترى أن هذا القانون يجب أن يأتي في سياق نقاش خطّة التعافي الاقتصادي والمالي، والقوانين المرتبطة به، وتحديدًا قانون إعادة التوازن للقطاع المالي وإعادة هيكلة المصارف، هذا الأمر حتّى أجمعت عليه الكتل بفترة من الفترات، هو الذي أخّر هذا الموضوع.
وأضاف “نحن كحركة أمل وُضِعنا في الواجهة لكن نحن عّبرنا وأنا شخصيا تحدثت عن هذا الأمر ومنذ أكثر من سنة ومن حوالي ال 6 اشهر و4 اشهر وفي الاجتماع الأخير باللجان المشتركة، أكدنا أننا مستعدون لإقرار هذا القانون بأيّة صيغة ممكنة شرط تأكيد الحفاظ على أموال المودعين واعتبار هذه الأموال أموالًا محميّة دستوريا وسياديا” .
وتابع بما يخص المودعين “نحن كمجلس نيابي بانتظار أن ترسل الحكومة قانونًا يتعلّق بإعادة التوازن وبالتالي معالجة موضوع المودعين، وحسب معرفتنا أنها أعدته، والودائع موجودة بالمصارف، هناك أكتر من تصوّر ينطلق من توزيع الخسائر على الأطراف المعنيّة وهي المصارف والبنك المركزي والدولة وبالأخير المودعين، هذا الأمر الأساسي، ويجب أن يكون هناك تمييز ليحمي هؤلاء المودعين وتحديدًا الصغار منهم، ويحمّل الأطراف الثلاثة الأساسيين العبئ الأكبر، مشيرا إلى أن كل الذي يُطرح اليوم هو بعيد عن هذا المنطق، لكن بكل الأحوال نحن مصرّون وحريصون على أن يأتي هذا القانون، ولدينا ورش عمل الآن مفتوحة لنقاش هذه الاقتراحات التي لم تتحوّل بعد لمشاريع قوانين من أجل ضمان هذا الحق، وفي إطار كيفية تأمين مصادر لهذه الودائع ،هناك فكرة أيضًا قابلة للنقاش هي إنشاء صندوق لتمويل إعادة هذه الودائع وكيفيّة تأمينها استنادًا إلى بعض الاقتراحات.
وراى خليل “أن حبل الخلاص الأساسي يبدأ أو يمتد من انتظام الحياة السياسية وإعادة الروح لها، وإعادة العمل للمؤسسات وتحمّل الحكومة والمؤسسات دورها في إقرار خطّة حقيقيّة للإنقاذ المالي والاقتصادي، هذا بالأساس، مضيفا “ما يعزز فرص نجاح هذه الخطة وجود موارد منها موارد النفط والغاز، هناك دول كبيرة لديها موارد كبرى على هذا الصعيد لكن لم تستطع أن تعكس هذا الأمر استقرارًا نقديًا أو اقتصاديًا أو ماليًا، وبالتالي علينا أن نرتكز على هذه القاعدة بالدرجة الأولى، لكن نعم اليوم هذا المصدر يؤمّن للبنان واردات تساعد بالتأكيد على إخراجه من الحفرة الموجود فيها، مع إصرارنا على أن هذه الثروة يجب أن تكون منظّمة بإطار صندوق سيادي، تقدمنا ككتلة باقتراح قانون لإنشائه، وسيبدأ نقاشه الأسبوع المقبل حول التوقعات، وكل الدراسات الأولية تشير الى وجود مكامن كبيرة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان، تجّار الدول المحيطة تؤكد هذا الأمر من فلسطين المحتلة إلى قبرص إلى سوريا، لكن كما هو معروف في علم الغاز تحديدا بحاجة إلى أن تحفر، عندها تستطيع أن تقدّر بشكل دقيق حجم الموارد الممكنة، لكن بالتأكيد هذا الأمر جدا مهم وإيجابي”.
وأكد خليل “أن البلد بحاجة إلى إصلاحات هيكيلية بنيويّة تتعلق بالدرجة الأولى بنظرتنا لطبيعة هذا النظام الاقتصادي الذي نريد، وسيبقى هناك خلل كبير في الميزان التجاري وميزان المدفوعات اذا لم نتوجّه بشكل جدّي إلى التركيز على قطاعات الإنتاج للتخفيف قدر الإمكان من هذه الفجوة الموجودة، وبالتالي تعزيز الوضع الاجتماعي أو الاستقرار الإجتماعي، من هنا نقول أن الخطة المستقبليّة فيما يتعلق بالإصلاح المالي والنقدي يجب أن لا تكون منفصلة عن الإصلاح الاقتصادي، ولا ينبغي أن يكون هناك تجاهل للإصلاحات الاقتصادية عند البحث بمشاريع إعادة الهيكلة أو مشاريع إعادة التوازن للقطاع المالي “.
وأكد خليل أن الإدارة الاسرائيلية هي نفسها، يعني الحكومة الحالية أو الحكومة المقبلة بالنسبة لنا هي بموقع العداء للبنان، وبالتالي سياسة تعاطينا معها هي التعاطي مع العدو، ومن هنا يجب أن نبقى حذرين منه.
واضاف “ما حقّقه لبنان كان بفعل جملة من العوامل أهمها التوازن الدقيق في ميزان القوى في تلك المنطقة، والخوف الاسرائيلي طبعا من تأثير أي مشكلة على الحدود البحرية في مسار تنقيبه واستخراجه للغاز في المنطقة التي يسيطر عليها، وبالتالي في رأينا إضافة إلى الدور الاميركي المعني مباشرة والذي عُّبر عنه على أعلى مستويات الإدارة الأمريكية كضامن لهذا الاتفاق والرعاية الأممية، أستبعد أن يقدم نتنياهو أو حكومته على إجراء أحادي على هذا الصعيد”.
وعن علاقة الثنائي الوطني وانعكاسها على المحيط أعرب خليل ان “هناك مستويان لهذا الأمر، المستوى الأول هو العلاقة بين تنظيمين سياسيين يجمعهما هم واحد بالسياسة أكبر من الهم الطائفي المباشر أو المذهبي المباشر، قدّموا نموذج للتعامل بالتعاون والتكامل وتوزيع الأدوار وإدارة الملفات السياسية، وأعتقد أنه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار بالظروف الخاصة لكل إقليم ولكل دولة على حدة، وهذا أمر برأيي يمكن أن يكون مثال لكيفية الانطلاق من تنظيم الخلافات إلى التعاون إلى التحالف إلى التكامل بمرحلة أبعد، والرئيس بري والحركة حاولت كثيرًا أن تعمم هذا النموذج من خلال علاقاتها مع قوى على ساحات عربية أخرى”.
وأشار إلى أنه من المهم أيضًا اليوم الالتفات إلى العلاقات العربية مع لبنان، لعلاقات لبنان مع الدول العربية، والعلاقات العربية العربية مع بعضها البعض، والأهم العلاقات الإسلامية الإسلامية، ومن هنا تأتي دعوة الأزهر لحوار سني شيعي ليكسر حدّة بعض المواقف التي تراكمت خلال السنوات الماضية، ليفتح الباب أيضا على تعزيز منطق الوحدة الإسلامية، وبنفس الوقت الانفتاح على كل الديانات والحضارات في العالم انطلاقا من تقديم نموذج إسلامي راقي ومتقدم وواعي يستند إلى الإسلام الأصيل.