رأى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أنّ “العدالةُ بوابةُ القيَمِ وسورُها الحصين. بها تُحفَظُ الحريةُ وتُنالُ الحقوقُ وتتأمَّنُ المساواةُ ويسودُ السلام. وبغيابِها تمضي الأُمَمُ قُدُمًا إلى الاستبدادِ والتخلف والخراب الاجتماعي والوطني. وكفاها شَرَفًا أَنْ جعلَ الله تعالى “العَدْلَ” واحدًا من أسمائِه الحُسنى”.
ولفت، خلال رعايته الجلسة الافتتاحية لورشة العمل لرؤساء مجلس القضاء الاعلى وغرف التمييز الاولى العربية الاوروبية في فندق الحبتور، إلى أنّه “إلى اليوم لا تزالُ العدالةُ، وستبقى، قيمةً إنسانيةً سامية، ورسالةً يؤديها القضاءُ عندَنا في لبنان، كسلطةٍ دستورية مستقلة، يمارسُها السادة القضاةُ سلطانًا كاملًا على ملفاتِهم بحيثُ لا يجوزُ لأحدٍ كائنًا من كان أن يتدخَّلَ فيها، وذلك استمساكًا بما وقَرَ في نفوسِهم من ذلك التراث البهيّ”.
وأشار ميقاتي، إلى أنّه “إذا كانت مفاهيم الدولة في العالم الحديث، قد باتت تملي مبادئَ وآليات جديدة للتنظيم القضائي، أو تطويرَ مبادئَ وآلياتٍ موجودة، فينبغي لي ههنا أن أنوِّه بمشروع القانون المتعلق باستقلالية السلطة القضائية، المطروح قيد المناقشات على طاولة اللجان المختصة في المجلس النيابي، والذي آمُلُ أن يُصار إلى إقراره وإصداره في أقرب وقت ممكن، تجسيدًا لمطالب اللبنانيين بهذا الخصوص”.
وأوضح أنَّ “إقرار هذا القانون، إنْ كان يشكل فاتحةً لاستعادة المواطنين ثقتَهم بقضائهم ودولتِهم، فإن هذه الثقة لن تترسَّخَ في قلوبِهم إلا متى حافظ القضاةُ بأنفسِهم على حصانة الضمير.ولا يخفى عليكم أن الأزمة التي نعانيها في لبنان، تشكل حاجزًا وحافزًا على المباشرة قريبًا إن شاء الله في عملية تحديث البنى القضائية، التي بتنفيذها سيُحلُّ جزءٌ مهمٌّ من المطالب التي نادى الجسم القضائي خلال اعتكافه المستمرِّ إلى الآن، ولا سيما تلك المتعلقة بالمستلزمات اللوجستية الضرورية لعمل المحاكم”.
وذكر ميقاتي، أنّ “في مطلعِ هذا الشهرِ دخل لبنانُ فراغَه الرئاسيَّ الخامس منذ الاستقلال. وفي مقارنةٍ سريعة بين التواريخ نجد أن الفراغ الأول عام 1952 استمرَّ أربعةَ أيامٍ فقط، انتُخبَ على إثرِها رئيسٌ جديد للبلاد؛ أما الفراغ الرابع فقد استمرَّ سنتين وأربعةَ أشهر، في دلالةٍ قاسيةٍ على تراجع قيمةِ الوقتِ الوطني الذي كان ينبغي لنا أن نستغلَّه كاملًا، ونستفيدَ من كل ثانيةٍ فيه من أجل العمل على الخروج من الأزمات والنهوضِ بالوطن”.
وشدد على أنّ “مقام رئاسةِ الجمهورية بما له من قيمةٍ دستوريةٍ ووطنيةٍ وميثاقيةٍ، ومن دورٍ كرَّسَه اتفاقُ الطائف، يشكِّلُ عنوانَ انتظامِ عملِ السلطاتِ كلِّها، فلا يجوز أن يبقى خاليًا، ولا ليومٍ واحد، لأن خلوَّ سدة الرئاسة يعطبُ الحياةَ الدستورية، ويُعيقُ تعافيَ البلاد”.
ولفت ميقاتي، إلى أنّه “من هنا دعوتي إلى الجميعِ ألّا يطولَ زمنُ الفراغ وأن يُصارَ إلى انتخاب رئيسٍ جديد، وتشكيلِ حكومةٍ جديدة، بسرعةٍ تحمي البلدَ وتحفظُ الدولةَ، فتنتهي حالةُ تصريف الأعمال التي هي بطبيعتِها مؤقتةً ومحصورةً بالأمور التي تدخلُ في نطاق هذا المفهوم. وكلُّ مقاربةٍ أخرى لهذه القضية الوطنيةِ الكبرى، ليست سوى حساباتٍ سياسية شخصية ضيقة، لا يجوز التوقفُ عندها في هذا الظرفِ العصيبِ على المستوياتِ كافة”.
وأشار إلى أنه “ما تقومُ به حكومتُنا في الوقت الراهنِ هو العملُ المطلوبُ دستوريا ووطنيا، ونحن نقوم بواجباتنا مع سائرِ الوزراء بكلِ ضميرٍ حيٍ لتمرير هذه المرحلةِ الصعبة في انتظار انتخابِ رئيسِ الجمهورية. ولكن يبدو أنَ هواةَ التعطيل واضاعةَ الفرصِ لا يريدون، حتى انْ نقوم بهذا الواجبِ، ويحاولونَ وضعَ كلِ العراقيلِ أمام مهمتِنا الواضحة، وباتوا يجاهرونَ بارادةِ التعطيلِ والسعيِ لشل الحكومة. وهذا التعطيلُ والشللُ، في مطلقِ الاحوالِ، لن يصيبَ الا شؤونَ البلدِ والمواطنين”.
وشدد ميقاتي على أنّ “الايحاءَ للرأيِ العام بأن الحكومةَ راغبةٌ في الحلولِ مكانَ رئيس الجمهورية، او تعملُ لمصادرةِ صلاحياتِه، تضليلٌ ونفاقٌ. وحريٌ بمن يطلقُ هذه الاقاويلَ ان يقوم بواجبهِ الدستوريِ في انتخابِ رئيسٍ في المجلس النيابي، لا أن يصرَ على تعطيلِ الاستحقاق”.
وأشار إلى أنّه “أوَلَيسَ من العدلِ المحضِ أن نكونَ منصفين بحق الوطن، فنعملَ على انتظام الحياة الدستورية فيه؟ بلى! وما أصدقَ القائل: لن تكونَ إنسانًا ما لم تكنْ عادلًا”، خاتمًا “عشتم، عاشت العدالةُ والقضاء، وعاش لبنان”.