بقلم فاتن دونغ – صحافية صينية
الانفتاح على العالم الخارجي هو سياسة الدولة الأساسية للصين ورمز مميز للصين المعاصرة. أصبحت الصين شريكا تجاريا رئيسيا لأكثر من 140 دولة ومنطقة، وتحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث إجمالي قيمة التجارة في السلع، وتعد من دول الصفوف الأولى في العالم من حيث جذب رأس المال الأجنبي والاستثمار في الخارج. يمكن القول إن الانفتاح على العالم الخارجي هو المحرك للاندماج الشامل للصين في العولمة وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في العقود الأربعة الماضية؛ وهو أيضا الأساس لتحقيق الهدف المئوي الأول لها المتمثل في إنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو معتدل وفي شتى النواحي؛ ومن دون شك إنه المفتاح في تحقيق هدفها المئوي الثاني وهو إنجاز بناء دولة اشتراكية حدیثة على نحو شامل عند حلول الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
تعتبر الصين مشاركة ومروجة للعولمة الاقتصادية، وتأمل أن تستفيد المزيد من الدول النامية من العولمة لتحقيق النمو الاقتصادي. انطلاقا من هذه الناحية، أطلقت الصين مبادرة “الحزام والطريق” والتي تعتبر منفعة عامة هامة للحفاظ على العولمة والتجارة الحرة. وقد ساهمت في انتعاش واستقرار الاقتصاد العالمي، كما شكلت منصة جديدة لمشاركة الدول النامية في التعاون الدولي.
وفقا للبيانات الرسمية، في الفترة من 2013 إلى 2021، بلغ الحجم التراكمي لتجارة السلع بين الصين والدول الواقعة على طول “الحزام والطريق” قرابة 11 تريليون دولار أمريكي، وتجاوز الاستثمار ثنائي الاتجاه 230 مليار دولار أمريكي. وبحلول نهاية عام 2021، أقامت الصين 79 منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في 24 دولة على طول “الحزام والطريق”، وتم استثمار ما مجموعه 43 مليار دولار أمريكي فيها، مما خلق 346 ألف فرصة عمل محلية.
إلى بداية عام 2022، قد وقعت الصين على وثيقة تعاونية حول بناء مبادرة “الحزام والطريق” مع عشرين دولة عربية، وتعاون الجانبان في مشاريع كثيرة بما في ذلك تشييد أطول ناطحة سحاب في أفريقيا وحديقة التعاون الصيني-الإماراتي في الطاقة الإنتاجية وبناء المبنى الجديد للمعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى وإلى آخره. وكل ذلك أمثلة على مواءمة مبادرة الحزام والطريق مع الاستراتيجية الوطنية لخلق ظروف معيشية أفضل لأبناء الدول المشاركة.
تعتبر الصين المستفيد المباشر من التزام بالانفتاح رفيع المستوى، أما المجتمع الدولي فيشارك في فرصة التنمية في الصين. لنأخذ معرض الصين الدولي للاستيراد الذي بدأ انعقاده في عام 2018 كمثال، وفقا لإحصاءات وزارة التجارة الصينية، بلغ حجم الصفقات المعتمدة التراكمي للدورات الأربعة السابقة أكثر من 270 مليار دولار أمريكي. ستُعقد الدورة الخامسة للمعرض قريبا في شهر نوفمبر. وبين الشركات المشاركة في هذه الدورة هناك 280 شركة من الشركات الرائدة في الصناعات المختلفة. بينما لم تفت الدول العربية هذا المعرض حيث شاركت فيه شركات من معظم الدول العربية بمنتجاتها المختلفة، على سبيل المثال زيت الزيتون من تونس والصابون من لبنان ومنتجات الطاقة السعودية والمنتجات الزراعية من مصر، وحتى وجبة الكشري سريع التحضير في المعرض.
بالإضافة إلى معرض الصين الدولي للاستيراد هناك المعرض الصيني للاستيراد والتصدير، المعروف أيضا باسم معرض كانتون، الذي انطلقت نسخته الـ١٣٢ في أكتوبر هذا العام. يعتبر المعرض قناة مهمة للشركات الصينية لاستكشاف السوق الدولية. شارك في هذه الدورة 35 ألف عارض محلي وخارجي عبر الإنترنت بأكثر من 3.06 مليون منتج، مما يوفر للمشترين والعارضين تجربة شراء وبيع على مستوى العالم دون مغادرة المنزل.
أما معرض الصين الدولي لتجارة الخدمات فبدأ انعقاده في عام 2012، حيث وفر منصة وفرصا للتعاون رفيع المستوى لجميع الأطراف المعنية، وعزز بشكل فعال التبادل والتعاون في مجال الخدمات الدولية.
غطت المعارض الثلاثة المذكورة مجالات تجارة الخدمات والتصدير والاستيراد، ولكل معرض تركيزه الخاص وتكمّل المعارض الثلاثة بعضها البعض، وتمثل منصات التعاون الدولي الرئيسية الثلاثة انفتاح الصين على العالم، وهو أيضا ما أظهر رغبة الصين في فتح أسواقها ومشاركة فرص التنمية.
سواء كان البناء المشترك للحزام والطريق أو انعقاد معرض الصين الدولي للاستيراد، ومعرض الصين الدولي لتجارة الخدمات، ومعرض كانتون، فكلها تعتبر صورة مصغرة لانفتاح الصين رفيع المستوى على العالم الخارجي، ونموذجا لمشاركة الصين إنجازات تنميتها مع العالم، مما يفيد عددا كبيرا من البلدان النامية بشكل مباشر.
استشرافا للمستقبل، حدد المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني الذي اختتم قبل أيام قليلة، أهداف الصين ومهامها وسياساتها الرئيسية للسنوات الخمس المقبلة وما بعد، وجاءت في تقرير هذا المؤتمر أجزاء كثيرة تتعلق بالانفتاح، على سبيل المثال، يجب الدفع قُدما بالانفتاح العالي المستوى على الخارج والمضي قدما بخطى ثابتة في توسيع الانفتاح المؤسسي الذي يشمل القواعد واللوائح والإدارة والمعايير، وتحفيز التنمية العالية الجودة للبناء المشترك لـ”الحزام والطريق”. أعتقد أن الصين ستفتح أبوابها على العالم أكثر فأكثر، لأنه لا يمكن للصين أن تتطور بدون العالم، والعالم بحاجة إلى الصين أيضا.