حطمت الأنهر الجليدية السويسرية في 2022 الأرقام القياسية على صعيد سرعة الذوبان، جراء التأثير المزدوج للجفاف في الشتاء وموجة الحر الصيفية القوية، في انعكاس جليّ ومباشر للتغير المناخي.
وفقدت هذه الأنهر الجليدية ثلاثة كيلومترات مكعبة من الجليد، ما يوازي 6% من إجمالي كتلتها في البلاد.
وأوضح مدير الشبكة السويسرية للبيانات الجليدية ماتياس هاس المسؤول عن متابعة الملف، لوكالة فرانس برس “من غير الممكن إبطاء الذوبان على المدى القصير”.
وإذا ما قلصنا انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لحماية المناخ، “قد يسهم ذلك في إنقاذ ما يقرب من ثلث الكتل الإجمالية في سويسرا في أفضل الأحوال”، وفق هاس الذي أشار إلى أن عدم حصول ذلك سيؤدي إلى زوال شبه كامل للأنهر الجليدية في سويسرا “بحلول نهاية القرن الحالي”.
ولم تكن سماكة الثلوج في جبال الألب بهذا المستوى الضعيف يوماً في ما مضى خلال فصل الربيع، كما أن رمالاً من الصحراء الكبرى لطخت الثلج الذي امتص تالياً حرارة أكبر وذاب بسرعة أكبر، حارماً الأنهر الجليدية من طبقة الثلج الحامية منذ مطلع الصيف.
بعدها تعرض الجليد لموجة حر من دون درع الحماية التقليدية.
وفي نهاية الصيف، باتت قطعة أرض عند التقاء نهر تسانفلورون الجليدي مع مجلدة سكس روج على علو يزيد قليلاً عن 2800 متر، من دون أي طبقة جليدية للمرة الأولى منذ الحقبة الرومانية.
وبحسب تقرير نشرته اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الربيع، يشكل ذوبان الجليد والثلوج أحد التهديدات الكبرى الناجمة عن الاحترار المناخي.
وأشار الخبراء السويسريون إلى أن “الأضرار كانت كارثية على الأنهر الجليدية الصغيرة”.
فبعد إعلان انحسارها بالكامل عام 2019، باتت مجلدة بيزل في شرق البلاد “على شفر الزوال التام”، شأنها في ذلك شأن مجلدة فادريه دال كورفاتش في جنوب شرق البلاد، أو شفارسباكفيران في الجنوب. وقد تدهور الوضع بدرجة كبيرة لدرجة دفعت المسؤولين إلى التوقف عن قياس حجم الكتلة الجليدية.
وعلى علو ثلاثة آلاف متر، في منطقة إنغادين في جنوب شرق سويسرا وفي الجزء الدنوبي من كانتون فاليه، “زالت طبقة جليد تراوح سماكتها بين أربعة أمتار وستة، وهو مستوى يفوق أحياناً ضعفي الحد الأقصى” المسجل سابقاً.
وشددت مجموعة الخبراء على أنه “حتى في أعلى نقاط القياس، كما الحال مثلا في يونغفراويوخ (على علو حوالى 3500 متر)، سجلنا فقدان مساحات كبيرة” من الجليد.
ولفت التقرير إلى أن الظاهرة آخذة في التسارع، إذ إن “التسجيلات تظهر أن ألسنة جليدية كثيرة تتفتت وتظهر جزر صغيرة من الصخور في وسط النهر الجليدي عندما لا يكون الجليد سميكاً بدرجة كبيرة. وهذه المسارات كلها تسرع التدهور الحاصل”.
وتُظهر هذه التغييرات أيضا أهمية الأنهر الجليدية خلال سنوات الحر والجفاف على صعيد التغذية بالمياه والطاقة، وفق الخبراء.
ويرتدي ذلك أهمية كبرى في بلد يعتمد بنسبة تفوق 60% من إجمالي إنتاجه للطاقة على الموارد الكهرمائية.
وأوضح ماتياس هاس “إذا ما رأينا في خلال خمسين عاما الظروف المناخية عينها (…) سيكون الأثر أكبر بكثير، لأنه في خلال خمسين عاماً، نتوقع أن تكون الأنهر الجليدية قد زالت ما يعني أنها لن تستطيع تزويدنا بالمياه”.
كما أن لذوبان الأنهر الجليدية تبعات غير متوقعة.
ويقع المتنزهون بصورة متزايدة على اكتشافات مريعة تطفو إلى الواجهة بسبب ذوبان الجليد الذي كانت أسيرة داخله لعقود وحتى لقرون.
وقد يشكل ذلك مصدر اكتشافات مذهلة لعلماء الآثار، إذ يضع أمامهم قطعاً عمرها آلاف السنين.
وفي أمر غير متوقع أيضاً، أزاح ذوبان نهر جليدي بين إيطاليا وسويسرا، الحدود بين البلدين عند نقطة تماس مائي في هذه النقطة، ما أرغم البلدين على خوض مفاوضات دبلوماسية شاقة.