لو كانت هناك صالة مشاهير في سوق الأسهم الأميركية، فبالتأكيد ستكون شركة نتفليكس واحدة منها وأبرزها، فقد حقق سهمها قفزة هائلة زادت على 8500 في المئة في العقد الأخير من خدمة البث عبر الشبكة، وهي الخدمة التي اجتاحت الإنترنت.
ويمكن القول إن نتفليكس حققت هذه المكاسب من خلال “سرقة” عشرات الملايين من العملاء من شركات تلفزيون الكابل، بحسب ما ذكر موقع فوربس.
ففي العام الماضي، مثلا، لم يشاهد نصف الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 22 و45 عاما ولو ثانية واحدة من تلفزيون الكابل، فيما ألغى 35 مليون أميركي اشتراكاتهم في تلفزيون الكابل في العقد الماضي.
ولكن حان الوقت لإدراك الحقيقة الحزينة ، فأيام مجد نتفليكس انتهت، وما سيحدث بعد ذلك لن يكون ممتعا لحملة أسهم نتفليكس.
حتى وقت قريب، كانت نتفليكس هي الوحيدة في ميدان البث عبر الشبكة، ولم يكن الأمر أنها لم تواجه أي منافسة على الإطلاق فحسب، بل ساعدت العديد من الشركات الإعلامية الأكثر قوة على وجه الأرض نتفليكس في بناء أعمالها.
وخلال السنوات الماضية، قام مؤسس نتفليكس، ريد هاستينغز، بالكثير لوضع الأمور في نصابها الصحيح، غير أن حركته الأكثر عبقرية كانت تأجير العروض والأفلام التي أنتجتها شركات أخرى.
ففي أوائل عام 2010، وقعت نتفليكس صفقات مع صانعي الأفلام والتلفزيون مثل ديزني و”إن بي سي” مقابل رسوم رمزية، واشترت حقوق بث المحتوى المشهور بشعبية كبيرة مثل أفلام “أفنجزر” من مارفيل، والمسلسلات الكوميدية الشهيرة مثل “الأصدقاء”، و”المكتب” أو “ذي أوفيس”.
بمعنى آخر، قامت نتفليكس ببناء أعمالها على خلفية محتوى الشركات الأخرى، وحققت من وراء ذلك نجاحا كبير وبشكل لا يصدق، بحيث بات لدى نتفليكس الآن أكثر من 149 مليون مشترك، وهو رقم يفوق كثيرا أي من أعداد المشتركين في أي شركة من شركات الكابل.
غير أن هذا في طريقه إلى الزوال الآن، والسبب أن منافسي نتفليكس الكبار بدأوا يستيقظون واحدا تلو الآخر، وقاموا بإنهاء عقودهم مع نتفليكس، واستعادوا السيطرة على محتواها، وأطلقوا خدمات البث الخاصة بهم التي ستتنافس مع نتفليكس.
هذا يحدث الآن، فهل سمعت عن خدمة بث ديزني الجديدة، “ديزني +”؟ التي سيتم إطلاقها في وقت لاحق من هذا العام، وستكون “موطنا” جديدا للأفلام الأكثر شعبية في العالم.
على الرغم من أن ديزني تشتهر بالرسوم المتحركة “ميكي ماوس”، فإنها تمتلك أكبر مجموعة أفلام تم تجميعها على الإطلاق، بما فيها الأفلام الثلاثة الأكثر مبيعا حتى الآن هذا العام هي “أفنجرز: نهاية اللعبة” و”كابتن مارفيل” و”علاء الدين”، كما تملك الأفلام الثلاثة الأكثر مبيعا في 2018 وهي “الفهد الأسود” (بلاك بانثر) و”أفنجرز: الحرب اللانهائية” و”إنكريدبلز 2″.
كما تمتلك ديزني الأفلام الثلاثة الأكثر مبيعا لعام 2017: وهي “حرب النجوم: الجيداي الأخير” و”حراس المجرة 2″ و”الجميلة والوحش”.
وباستثناء أحدث الأفلام، فإن جميع هذه الأفلام الأكثر شعبية بشكل كبير موجودة حاليا على نتفليكس، وبحلول نهاية هذا العام، ستتم إزالتها من محتوى نتفليكس بشكل نهائي، وبالتالي فإنه بات على الراغبين بمشاهدتها الحصول على اشتراك في موقع “ديزني +”، حيث تقدر تكلفة الاشتراك الشهري بحوالي 7 دولارات، وهو حوالي نصف سعر اشتراك نتفليكس الأكثر شيوعا.
ولهذا السبب يجب أن يشعر المستثمرون في نتفليكس بالقلق بنفس القدر بشأن خدمة البث الجديدة من “إيه تي آند تي” التي سيتم إطلاقها في عام 2020، على الرغم من أن تكلفة هذه الخدمة ستكون أعلى قليلا من نتفليكس، إذ سيتراوح سعر الاشتراك بين 16 و17 دولارا شهريا.
من المعروف أن شركة الهاتف المحمول “إيه تي آند تي” اشترت شركة “وورنر ميديا” عام 2018 وحولتها إلى قوة إعلامية، فهي تمتلك شبكة “أتش بي أو” التلفزيونية المتميزة الأكثر نجاحا على الإطلاق، التي أطلقت أفلام ومسلسلات شهيرة مثل “ذي سوبرانوس” و”لعبة العروش” و”جنس في المدينة”.
الجدير بالذكر أن نتفليكس حققت نجاحا مذهلا من خلال كونها الأولى في البث عبر الإنترنت، لكن الآن، بعد أن اقتحم آخرون الميدان، يبدو أن قواعد اللعبة تغيرت، وقريبا سيكون لدى العملاء الكثير من خدمات البث للاختيار من بينها، وسيتم اختيار الخدمة التي لديها أفضل محتوى.
وليست أفلام ديزني الوحيدة التي خسرتها نتفليكس، فعلى مدار العامين المقبلين، ستتعرض مكتبتها السينمائية والتلفزيونية بأكملها للتدمير، إذ وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن أكثر العروض مشاهدة على نتفليكس هو مسلسل “ذي أوفيس”، الذي تمتلكه شركة “إن بي سي يونيفيرسال”، والتي ستقوم بدورها بإطلاق خدمة البث الخاصة بها وسحب المسلسل من نتفليكس بنهاية العام المقبل.
وهناك عرض شائع للغاية على نتفليكس هو مسلسل “الأصدقاء”، المملوك لشركة “وورنر ميديا” التابعة لشركة “إيه تي آند تي”، حيث يتوقع أن يتم سحبه منها بشكل نهائي في العام 2020.
لسوء الحظ، وبصرف النظر عن مقدار ما تنفقه نتفليكس على الإنتاج أو شراء الأفلام والمسلسلات، فإنها لا يمكنها التنافس مع ديزني أو “إيه تي آند تي”.
في الواقع، تبلغ القيمة السوقية لنتفليكس حوالي 165 مليار دولار، مما يجعلها الشركة الأميركية الثلاثين الأكبر حجما في سوق التداول، حيث وصلت إلى هذه المرتبة من خلال هيمنتها على البث عبر الإنترنت، وللمضي قدما عليها أن تنجح في إنتاج أفلام وبرامج تلفزيونية شعبية.
دعنا نفترض أنها تنجح في ذلك وتصنع الكثير من المحتوى الذي يحبه الناس. المشكلة هي أن الشركات التي تنتج برامج تلفزيونية وأفلام لا تصل قيمتها إلى 165 مليار دولار.
لكن لدى نتفليكس ميزة واحدة كبيرة ومهمة للغاية وهي أنها تمكنت من جمع جمهور ضخم وصل إلى 149 مليون مشترك، ولا شك إن الاحتفاظ بالعميل أسهل بكثير من الحصول على عميل جديد.
من هنا، يتوقع أن تتمكن نتفليكس من البقاء، لكنها ستتقلص من حيث الحجم، وحتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلا، فإنها في غضون بضع سنوات قد لا تزيد قيمتها على 100 مليار دولار، وهذا من شأنه أن يجعل سعر سهمها حوالي 225 دولارا للسهم أو حوالي 40 في المئة أقل من سعره الحالي.
مرة أخرى، هذا سيناريو وردي. ولا تفاجأ إذا انخفض سهم نتفليكس إلى النصف، أو ما هو أسوأ، في العام أو العامين المقبلين.
وإذا فقدت نتفليكس مسلسلي “ذي أوفيس” و”الأصدقاء”، فسيكون هذا سيئا، لكنه ليس سوى خدش سطحي، إذ وفقا لشركة “جامبشوت” التحليلية، فإن أكثر من نصف عروض نتفليكس الأكثر شهرة البالغ عددها 50 عرضا مملوكة لشركات تخطط لإطلاق خدمات البث الخاصة بها، فكيف لهذا ألا يعرض الشركة للشلل؟
في الواقع، يبدو أن نتفليكس ترى مثل هذه اللحظة المستقبلية المظلمة، لذلك فهي تنفق الكثير من الأموال لتعزيز مكتبة المحتوى الخاصة بها، حيث أنفقت العام الماضي حوالي 12 مليار دولار لإنتاج محتواها الخاص بها، ويتوقع أن تنفق 15 مليار دولار أخرى هذا العام.
وتستثمر نتفليكس حاليا في المحتوى أكثر من أي شبكة تلفزيون أميركية أخرى، لكن الثمن باهظ للغاية، إذ لتمويل عروضها الجديدة، تقترض نتفليكس مبالغ ضخمة من المال، ففي العام الماضي، ارتفعت ديونها بنسبة 58 في المئة لتصل إلى 10.3 مليار دولار، لكنها كسبت بالمقابل، من خلال المشاهدة، أرباحا بقيمة 1.2 مليار دولار فقط.