سامر عبدالله_ ليبانون تايمز
عجلت الحرب الروسية الأوكرانية من زيارة بايدن للمنطقة في ظل رغبة أميركية بتخفيض أسعار الوقود في الولايات المتحدة الأميركية بعد أن أدت هذه الحرب إلى إرتفاع أسعار المشتقات النفطية بسبب العقوبات الغربية على روسيا . فكان الطلب الأميركي من السعودية بزيادة الإنتاج فاستلزم الأمر زيارة الرئيس بايدن للرياض ولقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في ظل علاقة غير مستقرة بينهما لعدة أسباب أبرزها أن واشنطن لم تكن تتعاطى مع بن سلمان كأنه الحاكم المستقبلي للسعودية ، وفي ظل إلتزامات بايدن أثناء حملته الإنتخابية بمحاسبة المسؤولين عن قتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي.
لطالما تساءل وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسينجر إن كانت الولايات المتحدة تحتاج لسياسة خارجية في إشارة إلى أن لها فقط مصالح خارجة متغيرة هي التي تحدد مسار سياستها تجاه الدول وتجاه الأزمات المختلفة . وفي الواقع فإن البراغماتية الأميركية لا حدود مبدئية لها ، فلا يتوقف شعبها مثلا عند آلية اسقبال رئيسها في السعودية مثلا ، أو حول كيفية مصافحة بن سلمان له ، بل ما يهم الرأي العام الأميركي هو النتائج الإجتماعية والإقتصادية التي يقدمها رئيس الدولة للشعب خلال فترة حكمه.
وكان من الطبيعي خلال زيارة بايدن أن يناقش مع حلفائه موضوعات مختلفة أصبحت تقليدية مثل مفاوضات فيينا ، والقضية الفلسطينية ، والأوضاع في العراق وسوريا ولبنان . وكان بايدن صريحا عندما قال أن على الولايات المتحدة الأميركية أن لا تترك فراغا في المنطقة وهذا إشارة إلى أن النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط لم يعد كالسابق .
عودة إلى البراغماتية الأميركية ، فإن المشهد السياسي في المنطقة قد اعتاد على تسليم واشنطن بتغيرات قد تكون جذرية أحيانا ، فتتكيف معها واشنطن تبعا للظرف ، دون أن يعني ذلك عدم محاولة نقضها لاحقا متى تغيرت الظروف . فقد سلمت واشنطن بإطاحة حليفها محمد مرسي من رئاسة الجمهورية في مصر في ضربة كبيرة لمشروع الإخوان المسلمين السياسي الذي رعاه شخصيا الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما . كما سلمت واشنطن بالتدخل العسكري الروسي في سوريا والذي أدى إلى حماية الدولة السورية من السقوط بيد التنظيمات الإسلامية المتطرفة . إضافة إلى ذلك فقد وافقت واشنطن على كون إيران دولة نووية مع شرط عدم حيازتها السلاح النووي .
وها هو بايدن على طريق مخالفة النسق الذي اعتاد عليه أسلافه الديمقراطيون ، والذي يعتبر الخط الأخضر في 4 حزيران 1967 بمثابة حدود للدولة الفلسطينية إستنادا لحل الدولتين الذي تطالب به الإدارة الحالية. وموقف بايدن نابع هنا من رغبته في إرضاء إسرائيل مقابل تخفيف لهجتها تجاه مفاوضات فيينا ، كما في رغبته بإنجاز إتفاق علني بين السعودية وإسرائيل حيث تشترط الأولى لهذا الإتفاق حصول الفلسطينيين على حقوقهم وفقا لمبادرة الأرض مقابل السلام التي أطلقها الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز من بيروت عندما كان وليا للعهد .
يتضح من كل ذلك أن بايدن لم يقدم في زيارته أي شيء جديد ، حيث أصبحت الأزمة السورية بحاجة لحلها إلى مجرد توافق سوري روسي تركي إيراني ، وأن شطب القضية الفلسطينية أمر بعيد المنال في ظل صعود المقاومة الفلسطينية ودعم محور المقاومة لها ، وأن الدور الروسي أصبح جزءا من سياسة المنطقة بعد نجاح روسيا في تثبيت وجودها السياسي والعسكري في سوريا وفي بناء علاقة مستقرة مع تركيا ، ومع فشل الضغوط الإقتصادية والسياسية الأميركية في مصادرة القرار اللبناني .
بناء عليه
، النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط في تراجع ملحوظ ، وأن موقف الإمارات تجاه عدم نيتها المشاركة في أي حلف عسكري ضد إيران مؤشر على تراجع الهيمنة الأميركية من جهة ، وعلى إنعدام الثقة بواشنطن من قبل حلفائها .
حتى أن التعاطي السعودي مع واشنطن لم يعد كالسابق ، حيث أن المملكة قد نوعت خياراتها المستقبلية باتجاه الصين وروسيا ، وهي تعرف أن واشنطن ذاهبة إلى إتفاق مع إيران دون أن تراعي مصالح حلفائها ، كما أن جمهورية مصر العربية ترتكز في سياستها الخارجية فقط على مصلحة الدولة المصرية وعلى تنوع الحلفاء الإستراتيجيين .
وأمام كل هذه المعطيات يمكن القول أن تهديد واشنطن بخيارات عسكرية ضد إيران أمر مضى عليه الزمن ، وأن أي إعلان عن تحالف عربي إسرائيلي عسكري ضد إيران هو إجراء بروتوكولي أكثر منه عملي .