ما زالت الطريقة التي بُنيت بها الأهرامات، وخصوصاً الهرم الأكبر بالجيزة (غرب القاهرة)، لغزاً يحير العلماء، ويدفعهم إلى ابتكار نظريات بين حين وآخر تحاول تفسير الطريقة التي مكَّنت المصريين القدماء من رفع أحجاره الضخمة، وتنفيذ البناء الذي يُعتبر إحدى عجائب الدنيا، حيث نشر مجموعة من الباحثين نظرية جديدة حول بناء الأهرامات تعتمد على نظام الرافعة المائلة، في محاولة لتنفيذ النظرية السائدة، التي تعتمد على فكرة الطرق المنحدرة.
ووفقاً للبحث المنشور أول من أمس، في مجلة «ENIM» الفرنسية المتخصصة في علوم المصريات، وحضارة البحر المتوسط، فإن «عملية بناء الأهرامات تثير كثيراً من التساؤلات التي لم يتم حلها حتى الآن، من بينها مصدر الحجر الجيري، والأدوات المستخدَمة، وطرق نقل الحجارة»، مشيراً إلى أنه «رغم وصف طرق نقل الحجارة، فإن المسألة ما زالت غير واضحة وغير مؤكدة».
ويوضح البحث أن «الأهرامات الكبرى بُنيت في عهد الأسرة الرابعة، في الفترة ما بين 2543 و2442 قبل الميلاد، حيث بُنيت جميعها في فترة قصية نسبياً تمتد على 100 عام»، مشيراً إلى أن «الهرم الأكبر، وهو هرم خوفو، مخططه الأرضي 230 متراً × 230 متراً، وكان ارتفاعه الأصلي يبلغ 146 متراً، ويتكون من 2.3 مليون حجر، ويُقدَّر عدد المشاركين في بنائه ما بين 11 ألفاً، و28 ألفَ شخص، أتموا عملية البناء في نحو 20 عاماً».
ويقول البحث إنه «لا توجد صور توضح طريقة البناء، وتفترض النظرية الأكثر انتشاراً استخدام منحدرات من الطوب اللبن لنقل الحجارة، لكن هذه النظرية مليئة بالثغرات، خاصة مع العمل الهائل الذي يتطلبه بناء مثل هذه المنحدرات، وكمّ المواد المطلوب إزالتها بعد الانتهاء من البناء، حيث لا توجد أدلة أثرية على وجود أماكن تم فيها التخلص من بقايا المنحدرات بعد بناء الهرم»
ويقترح العلماء الذين نفذوا البحث نظرية جديدة تعتمد على «فكرة الرافعة المائلة، حيث يوضع الحجر داخل قفص، وتتم إمالة الرافعة الخشبية من جانب، ودعمها من الجانب الآخر، لتسهيل تحريك ونقل الحجر، وفقاً لخطوات معينة تم شرحها في نموذج عملي بالصور».
الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، قال، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما يطرحه البحث مجرد نظرية يمكن قبولها أو رفضها، خاصة أن هناك الكثير من النظريات في هذا المجال، وكل فترة تخرج نظرية جديدة»، مشيراً إلى أن «البعض يتبنى فكرة استخدام المياه لرفع الأحجار، كاستخدام بئر المياه بجوار هرم زوسر في سقارة لرفع الحجارة، لكن النظرية الأدق والأكثر انتشاراً حتى الآن هي نظرية الطرق المنحدرة، التي توجد لها أدلّة عبر الطريق الصاعد عند مدخل مينا هاوس لمنطقة الأهرامات، وهو المؤدي للضلع الجنوبي من الهرم الأكبر».
وأضاف عبد البصير أن «المصريين القدماء لم يبنوا الأهرامات بطريقة واحدة، بل تطورت عملية البناء عبر العصور والأُسَر المختلفة، بدءاً من هرم زوسر المدرج في سقارة، وحتى وصلنا لهرم خوفو»، مشيراً إلى أن «مسألة بناء الأهرامات تحيّر العلماء، وإن كانت أفضل طريقة لفهمها هي التعامل ببساطة»، لافتاً إلى أن «البعض وصل بنظرياته وتساؤلاته إلى حد الحديث عن قيام كائنات فضائية ببناء الأهرامات».
بالفعل أثارت طريقة بناء الأهرامات الجدل في نهاية عام 2020، عندما كتب رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك تغريدة قال فيها إن «كائنات فضائية هي التي بنت الأهرامات»، ليبدأ الجدل حول الموضوع الذي وصل إلى مشاركة آثاريين ومسؤولين في الرد على ماسك، وتأكيد أن «المصريين القدماء هم من بنوا الأهرامات».
وقال عبد البصير إن «هناك كثيراً من الأدلة العملية والأثرية حول الأهرامات، من بينها مقابر العلماء بناة الأهرام، والمدينة السكنية للعمال، وأخيراً بردية وادي الجرف التي تتحدث عن كيفية نقل حجارة الأهرامات».
واكتشفت بردية وادي الجرف عام 2013 على يد عالم المصريات الفرنسي بيير تاليه، وعُرضت للمرة الأولى عام 2016. وتتحدث عن رجل يدعى ميرير لُقب بالمفتش، كان مسؤولاً عن نقل الحجارة من المحجر إلى الجيزة، وتشرح البردية كيفية تقسيم العمل بدقة.
ويعود تاريخ بناء الهرم الأكبر (هرم خوفو) إلى الفترة ما بين 2589 و2566 قبل الميلاد، واستغرق بناؤه ما بين 10 و20 عاماً، و«حتى اليوم، لا توجد معلومات مؤكدة حول الطريقة التي بني بها الهرم الأكبر»، وفقاً لموقع وزارة السياحة والآثار المصرية، التي أوضحت أن «الهرم من الحجر الجيري المحلي، وكان مغطى قديماً بالكامل بكساء من الحجر الجيري عالي الجودة، وقد تم جلب أحجار الكساء من محاجر طرة عن طريق مراكب تصل حتى الهرم، ويضم الهرم من الداخل ثلاث حجرات دفن؛ إحداها مقطوعة أسفل الصخر السفلي، واثنتان على ارتفاع داخل المبنى نفسه، وهو أمر ينفرد به هرم خوفو لا يمتلكه هرم آخر، وتم اكتشاف مركبين كبيرين مفككين داخل حفرة بالجانب الجنوبي من الهرم الأكبر، كان يُعتقد أنهما استُخدما لنقل مومياء الملك والأثاث الجنائزي إلى الهرم».
وتشير دراسة نشرها المجلس الأعلى للآثار المصرية عام 2002 إلى أن «عدد أحجار الهرم الأكبر يبلغ نحو مليون حجر فقط، يتراوح وزنها بين نصف الطن، و2.5 طن، على خلاف الرقم المعروف، الذي يقول إن عدد أحجار الهرم هو 2.3 مليون حجر».