بقلم غسان همداني
أذكر ياسيدي،
كان الوطن مخلع الأبواب، والعدو الإسرائيلي يصول ويجول في قرانا، يهدم منازلنا ويحرق محاصيلنا ويسرق أحلامنا، وكانت الدولة قد تخلت عن واجب الدفاع، كان الحرمان قد أصبح صفة عامة، كان المقاطعجية يتبادلون الأدوار، يتقاسمون أوجاعنا وأحلامنا، وكانوا يتناوبون على تفريغ الحرية والديمقراطية من كل مضمون.
كانوا ينتخبون عنا، ويملأون الصناديق بغير أصواتنا.
من روائع اقوال الرئيس نبيه بري 6\9\2002
بهذه الكلمات يختصر الرئيس نبيه بري الواقع الذي اراده لنا اولياء السلطة في حينه، بالتعاون مع الاقطاع السياسي.
كان الحرمان يطاول كل شيء، فلا ضرورة للمدارس لأن “كامل بك” يتعلم، ولا مشاريع للكهرباء والمياه، وكنا السود في جنوب أفريقيا، وكنا نعيش كـ “ضيعة ضايعة” في محيط متحضر، وكنا ماسحي الأحذية والعتالين وعمال النظافة في اروقة العاصمة، وكنا نستجدي الحرية والكرامة.
كان الجنوب متروكا ومهملا، والاعتداءات الاسرائيلية كالمطر في يوم شتاء عاصف، وجنود العدو يعيثون فيه فسادا، والجنوبي لا يملك الا الشكوى الى الله، والدولة لا تملك الا الشكوى الى الأمم المتحدة، كان التصدي للعدو خطيئة، والدفاع عن السيادة جريمة، وشعار قوة لبنان في ضعفه طمسا لمؤامراتهم وتواطئهم مع العدو.
حتى اتى من أقصى المدينة رجل يسعى، نادى في برية الوطن محذرا ان الظلم الاجتماعي، والانماء غير المتوازن، والاهمال المقصود، وتقاعس الدولة عن القيام بواجباتها، وتنامي شعور الكراهية للنظام، والغربة في الوطن، قد يؤدي الى ما لا تحمد عقباه، مما يهدد سلامة لبنان، وكيانه ووجوده، رافضا تقاعس الدولة عن القيام بواجبها بالتصدي للعدو الاسرائيلي معلنا إنشاء “افواج المقاومة اللبنانية (أمل) ” للحفاظ على حدود الوطن وكرامته، وصارت مقولة قوة لبنان في مقاومته هي السائدة.
يومها خرج المارد من القمقم، وكان الرئيس بري في سباق مع الزمن، يحاول تعويض سنوات الحرمان الطويلة، وبجهود جبارة دخل الجنوب منطقة الحضارة، وصار قبلة الأحرار، حتى كان النصر والتحرير والصمود.
اليوم نعيش حصارا اقتصاديا واجتماعيا، شبيها بما حصل مع النبي (ص) واتباعه وانصاره حينما حوصروا في شعب بني هاشم من قبل طغاة قريش، حصار تفرضه اميركا علينا فتمنع عنا كل مقومات الحياة، تعدنا بالكهرباء من مصر والاردن ثم تهدد بقانون قيصر، وتقطع الطريق على اية مساعدة شرقية كان أم غربية مهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور، يعاونها مجموعات غير متجانسة لا يجمعها الا الحنين الى ماضي الخنوع، ويهالها العنفوان والكرامة التي نتمتع بها، والصمود في وجه العدو في حين يتهافت معظمهم الى التطبيع، فتارة يرفعون شعار السيادة، وتارة شعار الحياد، وتارة نزع سلاح المقاومة، والهدف الأول والأخير إعادة المارد الى القمقم والذي خرج ولن يعود.
ليس المطلوب ان نموت من الجوع والقهر، المطلوب احداث شرخ بين الثنائي الوطني وبيئته، من خلال اشعار المواطنين بالذل امام متطلبات الحياة، وتحميل الثنائي مسؤولية هذا الاذلال، وبث الاحباط في هذه البيئة للتقاعس عن المشاركة في الانتخاب أو تأييد جماعات مشبوهة تحمل شعار التغيير، وبالتالي خرق لوائح الثنائي، وتحقيق ما عجزت عنه مؤامرات السفارات في حراك مشبوه رصدت له مئات الملايين من الدولارات، من أجل تغيير الخارطة السياسية في لبنان من أجل تمرير صفقات مشبوهة تبدأ بتوطين الفلسطينيين والسوريين ولا تنتهي بالتطبيع مع العدو الصهيوني، وهو حلم ابليس بالجنة، ونسوا اننا حسينيون كربلائيون، ولو قتلنا ثم نشرنا يُفعل ذلك سبعين ألف مرة ما تخلينا عن قناعاتنا، ولا عن ولائنا لخط الامام السيد موسى الصدر، ونقول بالصوت العالي سنزحف الى صناديق الاقتراع تأييدا للوائح التنمية والمقاومة، بالرغم من الحصار، وبالرغم من الجوع والموت، أو لسنا على الحق اذا لانبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا.